هل تخدم الحرب الإسرائيلية - الايرانية موازنات دول مجلس التعاون الخليجي؟

مع توقعات سابقة في بداية العام الجاري ببلوغ متوسط سعر خام برنت 76 دولارًا أميركيًا للبرميل في عام 2025، تواجه دول مجلس التعاون الخليجي واقعًا قاسيًا هو أن ترتفع أسعار النفط بحيث تحقق التعادل المالي في الموازنات العامة لتلك الدول. فالإنفاق العام المتصاعد، والمشاريع الضخمة الطموحة، واضطرابات سوق النفط العالمية تدفع العديد من الاقتصادات إلى حافة الهاوية، وبالتحديد موازنات تلك الدول التي سجل بعضها عجزاً متراكماً لسنوات خلت.
فالإنفاق الضخم على خطط التحول، مثل رؤية المملكة العربية السعودية 2030، يدفع إلى الحاجة لارتفاع هائل في أسعار النفط كي تحقق التعادل المالي.
على سبيل المثال، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى 90.9 دولارًا أميركيًا للبرميل في عام 2025 من أجل موازنة موازنتها، مدعومة بمشاريع ضخمة مثل نيوم وفعاليات مثل إكسبو 2030. أما البحرين، وهي الحلقة الأضعف ماليًا في المنطقة، فتحتاج إلى 124.9 دولارًا أميركيًا للبرميل، مما يكشف عن اعتمادها الكبير على عائدات النفط ونقص التنويع الاقتصادي. وكذلك الكويت التي تحتاج الى نحو 81.8 دولاراً للبرميل كسعر تعادلي في الموازنة في غياب أو تأخير العديد من الإصلاحات وبرامج التنويع الاقتصادي والتي وضعت على سكة التنفيذ أخيراً. بينما تُحافظ عُمان وقطر على استقرار أوضاعهما المالية، بحيث يُظهر سعرا التعادل البالغ للدولتين على التوالي 57.3 و44.7 دولاراً أميركياً للبرميل، مدى فعالية الإصلاحات والتنويع الاقتصادي.
تُعدّ هاتان الدولتان دليلاً على أن ضبط الإنفاق وبناء مصادر دخل بديلة يؤتيان ثمارهما. في منطقة لطالما كان النفط فيها سيد الموقف، تُبرز عُمان وقطر كمثالين على الانضباط المالي. أما الامارات فتحتاج فقط الى 50 دولاراً للبرميل من أجل موازنة حساباتها.
وعليه، فإنه بالنسبة الى بعض الدول، فإن المخاطر أكبر بكثير، إذ تواجه دول مثل البحرين والمملكة العربية السعودية والكويت معضلةً مُعقدةً تتمثل في التزامات إنفاق مرتفعة وانخفاض أسعار النفط المُتوقعة، ومن دون إصلاحات جادة، ستواجه هذه الدول عجزاً أكبر ومخاطر اقتصادية مُتزايدة. فأسعار النفط المتقلبة تشير إلى أن التخطيط المالي أصبح لعبة تخمين بالنسبة الى حكومات دول مجلس التعاون الخليجي. بحيث يُشكّل عدم القدرة على التنبؤ بأسعار النفط تهديدًا وجوديًا للاقتصادات المعتمدة عليه، ولا سيما منها في البحرين وعُمان اللتين تعانيان من محدودية احتياطياتهما المالية، وهما الأكثر عُرضةً للخطر.
وقد أدت خفوضات الإنتاج التي أجرتها المملكة العربية السعودية بموجب اتفاقات "أوبك+" إلى تقليص تدفقات الإيرادات القصيرة الأجل، مما أجبر المملكة على سحب إحتياطياتها وإصدار سندات، وكذلك الكويت التي تخطط لإصدار سندات دين سيادية لتغطية العجز المحتمل.
ومن الواضح أنه رغم تفضيل الخيار السلمي لدول مجلس التعاون والحوار لإنهاء الصراع الإقليمي الدائر حالياً، إلا أن ما يحصل من شأنه أن يُقدم خدمة الى موازنات تلك الدول من خلال ارتفاع أسعار النفط. فقد ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 1.1% لتسجّل 75.93 دولاراً للبرميل، وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي بنسبة 0.8% إلى 77.28 دولاراً للبرميل. ولا تزال هناك علاوة مخاطرة في أسعار النفط، في وقت يترقّب فيه المتعاملون ما إذا كانت المرحلة التالية من الصراع الإيراني – الإسرائيلي ستكون ضربة أميركية أو محادثات سلام.
وتشير التوقعات الى أن أي ضربة أميركية محتملة قد تدفع الأسعار الى الارتفاع خمسة دولارات، بينما من شأن بدء محادثات سلام أن يؤدي إلى انخفاض مماثل في الأسعار (رويترز). وفي أفضل السيناريوهات، إذا ما نجحت الجهود الديبلوماسية في إنهاء الحرب بسرعة وجرى تجنب استهداف البنى التحتية الحيوية في إيران، ستعود أسعار النفط إلى مستويات ما قبل الأزمة. أما السيناريو الثاني الذي قد يخدم موازنات دول مجلس التعاون ورغم تأثيره على الاقتصاد العالمي وخصوصاً رفع معدلات التضخم، فيتمثل في استمرار النزاع مدة أطول من دون أن يتطور الى حرب شاملة. وفي ظل هذا السيناريو، يتوقع ارتفاع أسعار النفط وتقلبها الى حدٍ ما، وذلك نتيجة ارتفاع المخاطر الجيوسياسية والمخاوف بشأن احتمال انقطاع الإمدادات في منطقة تسيطر على جزء كبير من نفط العالم.
ختاماً، لا بد من القول أنه رغم خطورة الأوضاع الراهنة والوقوف على حافة الهاوية والمصير المقلق الذي يطاول دول المنطقة من دون استثناء، فإن رب ضارة للبعض قد تكون نافعة للبعض الآخر، مع الدعوة الى إحلال الأمن والسلام في منطقتنا، لأن خسائر الحرب في حال تمددت ستكون حتماً أكبر بكثير من إيراداتها.