الصين وتايوان خصمان اجتمعت استثماراتهم على أرض الإمارات... لماذا؟

شهدت الإمارات خلال الأيام القليلة الماضية توجهات مكثفة للاستثمارات الصينية والتايوانية إلى أرضها، حيث بدأت بكين في توسيع استثماراتها خصوصاً في جبل علي – جافزا (منطقة حرة إماراتية)، كما أعلنت تايوان عن دراسة شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (Taiwan Semiconductor Manufacturing _ TSM) تأسيس منشأة إنتاج متقدمة في الإمارات، ورغم أن الصين وتايوان خصمان، اجتمعت استثماراتهما على أرض الإمارات، فكيف حدث ذلك، ولماذا الإمارات تحديداً، وهل أصبحت الإمارات الملاذ الآمن للاستثمار الأجنبي في الشرق الأوسط؟
يقول أحمد جمال عبدالفتاح، مالك شركة السبكي للاستيراد والتصدير التي تستورد من الصين منذ أكثر من 4 عقود، لـ"النهار" إن الصين تستعد منذ شهور لمواجهة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وضغوطه التجارية عبر تكثيف تواجدها الاسثتماري في الإمارات، لذلك نرى أن الصين تمتلك "سوق التنين" في دبي وهو أكبر سوق تجاري صيني في العالم خارج الصين، وفي نيسان (أبريل) الماضي افتتحت مجموعة "ليجند هولدينغ" التي تدير عملياتها في أكثر من 10 دول وتغطي 56 منطقة حول العالم، مقرها الإقليمي في جبل علي، وفي تموز (يوليو) الماضي أعلنت مجموعة موانئ دبي العالمية (دي بي ورلد) عن شراكة استراتيجية مع مجموعة موانئ شيجيانغ الصينية لتعزيز الخدمات اللوجستية والشحن البحري بين ميناء جبل علي وميناء نينغبو تشوشان في الصين.
وفسر عبدالفتاح هذا التحرك الصيني السريع نحو الإمارات، بأنه خطوة لحماية الاقتصاد الصيني من العقوبات الأميركية والغربية حال قررت الصين غزو جارتها تايوان، وهو السيناريو المتوقع أن يحدث بحلول عام 2026، لذلك أصبحت الإمارات الملاذ الآمن لاقتصاد التنين الصيني أمام هذه التحولات العالمية المتسارعة؛ خصوصاً أن منطقة جبل علي الإماراتية تُعد "جنة ضريبية" لا تفرض أي رسوم أو جمارك على المنتجات الأجنبية، وبالتالي يمكن للصين أن تمارس تجارتها خارج حدودها بكل أمان.
ويتفق معه عمرو وهيب، خبير أسواق المال، ويقول لـ"النهار"، إن الصين تنقل استثماراتها إلى الإمارات للتحوط من العقوبات وتنويع شراكاتها بعيدًا عن النفوذ الأميركي. وتايوان، من جانبها، تعمل على نقل صناعتها الاستراتيجية إلى بيئة أكثر أمانًا تحسبًا لغزو محتمل أو قيود أميركية مستقبلية. أما الإمارات، فوجدت نفسها، بفضل موقعها الجغرافي وذكاءها السياسي، في قلب معادلة التوازن الجيوسياسي الجديد، التي تُعيد تشكيل موازين القوة الاقتصادية والسياسية في عالم ما بعد الهيمنة الأميركية.
وأشار وهيب إلى أن الإمارات تعد نقطة مهمة ومحورية في مبادرة الحزام والطريق الصينية (وهي مشروع ضخم للبنية التحتية والاستثمار، تهدف إلى ربط آسيا وأوروبا وإفريقيا من خلال الطرق البرية والبحرية)، حيث تدعم مبادرة الحزام والطريق الصينية عبر ضخ 10 مليارات دولار في صندوق استثمار صيني - إماراتي مشترك لدعم مشاريع المبادرة في شرق إفريقيا، ووقعت 13 مذكرة تفاهم مع الصين عام 2018، للاستثمار في مجالات متعددة داخل الإمارات.
وأكمل خبير أسواق المال أنه بين كل هذه التحركات، لا بد أن تدرك الدول الطامحة أن الأمر لا يتعلق باستثمارات فقط، بل بإعادة تموضع شامل ضمن خريطة القوة الدولية، ومن يُحسن التموضع الآن، سيحصد المكاسب لاحقًا.
4 أسباب وراء نقل الصين استثماراتها إلى الإمارات
يقول وهيب إن الصين، من منظور اقتصادي واستراتيجي، بدأت في تحويل جزء كبير من استثماراتها إلى الإمارات. هذا التوجه مدفوع بعدة عوامل رئيسية، أبرزها:
التحوط من العقوبات الأميركية
في حال أقدمت بكين على تحرك عسكري تجاه تايوان، فمتوقع أن تواجه عقوبات اقتصادية قاسية من الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ولهذا، تسعى الصين إلى إيجاد بيئات استثمارية محايدة يمكن أن تكون بمنأى عن التأثير المباشر لتلك العقوبات.
الإمارات مركز مالي ولوجستي محايد
تعد الإمارات، وخصوصًا دبي وأبوظبي، منصات مثالية لإعادة هيكلة الاستثمارات الصينية الحساسة. فهي ليست خاضعة بشكل كلي للهيمنة الأميركية، كما أنها توفر بيئة تنظيمية مرنة وبنية تحتية متطورة.
التحول في سلاسل التوريد
هناك شواهد واضحة على إعادة توجيه سلاسل الإمداد الصينية عبر موانئ إماراتية مثل ميناء خليفة وجبل علي، كبدائل للقنوات الغربية التقليدية.
حماية المصالح التجارية في زمن التوترات
تعتمد الصين على ممرات بحرية تمر عبر مضائق قد تتعرض للتهديد في حال اندلاع صراع عسكري، وهو ما يجعل من الإمارات منفذًا بحريًا استراتيجيًا على طريق "الحزام والطريق"، وأداة لتوسيع النفوذ الصيني في الخليج وأفريقيا.
لماذا تنتقل تايوان بالإنتاج الصناعي إلى الإمارات؟
تايوان، من جانبها، تحاول تأمين صناعتها الاستراتيجية، وعلى رأسها صناعة الرقائق الإلكترونية، وعلى وجه التحديد شركة (TSMC) التي تمثل "الكنز القومي" للاقتصاد التايواني. هذا التوجه مردّه إلى عدة اعتبارات:
الخطر الجغرافي المحدق
أي غزو صيني لتايوان قد يؤدي إلى انهيار سلاسل التوريد العالمية المرتبطة بالرقائق الإلكترونية. لذا، تتحرك تايوان استباقيًا لإعادة تموضع صناعتها في مناطق آمنة، وكانت الإمارات في مقدمة هذه الوجهات.
الضغوط الأميركية
رغم كونها حليفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، تواجه تايوان اتهامات ضمنية من بعض المسؤولين الأميركيين بسرقة التكنولوجيا، بحسب تصريحات أدلى بها الرئيس السابق دونالد ترامب خلال حملاته الانتخابية. كما تمارس واشنطن ضغوطًا على شركة TSMC لنقل قدراتها التصنيعية إلى الأراضي الأميركية.
الموقع الاستراتيجي للإمارات
توفر الإمارات بنية تحتية متقدمة، وبيئة ضريبية مرنة، وموقعًا مثاليًا بين الأسواق الأوروبية والأفريقية، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لإعادة تموضع الاستثمارات التايوانية.