سوريا على أعتاب انتعاش كهربائي واستثماري غير مسبوق: اتفاق تاريخي بـ7 مليارات دولار يعيد الأمل لقطاع الطاقة

في خطوة وُصفت بالأضخم منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أعلنت الحكومة السورية عن توقيع اتفاق ومذكرة تفاهم مع تحالف يضم أربع شركات دولية لتطوير مشاريع طاقة بقيمة تصل إلى 7 مليارات دولار. وقد جرى التوقيع خلال حفل رسمي بحضور الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، ووزير الطاقة محمد البشير، والمبعوث الأميركي توماس باراك، إضافة إلى ممثلين عن شركات قطرية، أميركية، وتركية.
وصرّح وزير الطاقة محمد البشير أن هذه الاتفاقية تُعد "الأولى من نوعها في سوريا من حيث الحجم والقيمة"، مضيفاً أن التحالف الدولي سيُنشئ مشاريع لتوليد 5,000 ميغاواط من الكهرباء، ما يمثل نقلة نوعية في ظل التدهور الحاد الذي شهده القطاع خلال السنوات الماضية.
تفاصيل المشروع الطاقي
وفق ما ورد في بيان رسمي صادر عن شركة "أورباكون القابضة" القطرية، يشمل المشروع إنشاء أربع محطات لتوليد الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي، تعمل وفق نظام الدورة المركبة، بطاقة إجمالية تصل إلى 4,000 ميغاواط، بالإضافة إلى محطة طاقة شمسية بقدرة 1,000 ميغاواط تُقام في جنوب سوريا.
ومن المتوقع أن تبدأ عمليات البناء فور استكمال الجوانب المالية والتقنية، على أن ينتهي إنشاء محطات الغاز خلال ثلاث سنوات، ومحطة الطاقة الشمسية في أقل من عامين. هذه الجدولة الزمنية الطموحة تواكب الحاجة الماسّة لرفع الإنتاج الكهربائي في البلاد، الذي تراجع بشكل كارثي منذ بدء الأزمة.
من أزمة كهرباء خانقة إلى بارقة أمل
يُجمع الخبراء على أن ما تعانيه سوريا اليوم في قطاع الكهرباء هو انعكاس مباشر لحرب امتدّت لأكثر من عقد. فبحسب د. محمد موسى، الباحث في الاقتصاد والسياسة، فإن سوريا كانت قبل الأزمة تُنتج ما يقارب 9.5 إلى 10 غيغاواط، وهو ما كان يغطي حاجاتها بشكل شبه كامل. لكن مع اندلاع الحرب وتدمير البنية التحتية، انخفض الإنتاج إلى 1.6–2 غيغاواط، أي إن العجز الحالي يراوح بين 60% و70% من الاحتياج الوطني.
ويُضيف موسى أنه إذا أدخلت 5,000 ميغاواط جديدة إلى الشبكة خلال ثلاث سنوات وبالتدريج (pro rata)، فإن الأثر سيكون بالغاً، وقد يُسهم في تغطية نحو 80% من حاجات سوريا، خاصة إذا ترافق ذلك مع استثمارات فعالة، تمويل مستقر، وخطط تنفيذية واضحة.
التمويل الخليجي والدور القطري: استثمار والتزام سياسي
تشير المعطيات إلى دور محوري تقوم به قطر في هذه المرحلة الجديدة من الاستثمار في سوريا. فشركة "يو سي سي" القطرية تتزعم التحالف الدولي للمشروع، وهو ما يعكس التزاماً قطرياً واضحاً تُرجم بزيارة الأمير تميم بن حمد لدمشق قبل شهرين، التي شكلت نقطة تحوّل سياسي واقتصادي. ومن المتوقع أن تتوسع الاستثمارات القطرية لتشمل قطاعات إضافية، ما يعزز من حضور الدوحة في ملف إعادة إعمار سوريا.
كذلك فإن زيارة وزير الخارجية السعودي الأخيرة لدمشق، وتأكيده نيّة السعودية تعزيز استثماراتها في سوريا، تشي بأن التمويل الخليجي عائد بقوة، وقد يكون أحد المفاتيح الأساسية لإنجاح المشروع الكهربائي وغيره من الاستثمارات الاستراتيجية.
الولايات المتحدة: انخراط حذر لكن مؤثر
رغم أن الولايات المتحدة لم تُعلن رسمياً نيّتها الدخول في استثمارات مباشرة في سوريا، فإن حضور المبعوث الأميركي توماس باراك خلال التوقيع، يعكس اهتماماً أميركياً ملحوظاً بالشأن السوري، ولا سيما أن واشنطن كانت أكبر المانحين في مؤتمر بروكسل الأخير حول سوريا.
ويرى مراقبون أن الولايات المتحدة قد تكون بصدد اختبار استجابة الحكومة السورية لسلسلة إصلاحات سياسية طرحتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، تضمّنت ورقة بـ8 إلى 10 نقاط. وإذا تم الالتزام بهذه المطالب، فقد يُفسح المجال أمام استثمارات أميركية مباشرة، وهو ما قد يُسرّع من عملية التعافي الاقتصادي.
تركيا: ما بعد الكهرباء نحو الطاقة والغاز
من جهتها، تبدو تركيا مهتمة بشكل أوسع بمشاريع الطاقة، لا فقط في قطاع الكهرباء. فاهتمام أنقرة يمتد نحو مشاريع الغاز في شرق البحر المتوسط وربط الأنابيب عبر الأراضي السورية، وهو ما يُشير إلى أفق استراتيجي جديد قد يشكل رافعة اقتصادية إقليمية لسوريا وتركيا على حد سواء.
وتترافق هذه الطموحات مع دعم سياسي تركي واضح، عبّر عنه الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي دعا خلال لقائه مع نظيره الأميركي إلى رفع العقوبات عن سوريا، تمهيداً لعودة الاستثمارات وانفتاح الأسواق.
مستقبل مشرق… بشروط
يبدو أن ملامح مرحلة اقتصادية واستثمارية جديدة في سوريا بدأت بالتشكل، إلا أن تحقيق الأهداف المنشودة مرهون بتوافر مجموعة شروط أساسية، أبرزها:
• تنفيذ الاتفاقات ضمن خطة واضحة زمنية وفنية
• توفير تمويل جوهري ومستقر من جهات داعمة
• تحقيق قدر من الاستقرار السياسي والأمني
• رفع العقوبات فعلياً، لا فقط على مستوى الإعلانات
• التزام الحكومة السورية بالإصلاحات المطلوبة من الشركاء الدوليين
إذا ما تضافرت هذه العوامل، فإن سوريا قد لا تحتاج إلى أكثر من أربع أو خمس سنوات ليس فقط لتعويض خسائرها في قطاع الكهرباء، بل للتفوّق وتطوير بنيتها التحتية الطاقوية بما يتجاوز ما كانت عليه الحال قبل الحرب.
في ختام هذا التحول، تبدو سوريا أمام فرصة تاريخية للانتقال من مرحلة العجز والانهيار إلى مرحلة بناء دولة حديثة تعتمد على الطاقة المتجددة والاستثمارات الذكيّة، ضمن بيئة إقليمية ودولية بدأت تتحرك في اتجاه دعم التعافي، ولو تدريجاً.