هل تصبح الهند مصنع العالم المقبل؟

في السنوات الأخيرة، برزت الهند واحدة من أكثر الاقتصادات الواعدة في العالم، مع طموحات واضحة لتصبح مركزًا عالميًا للتصنيع. ومع السياسات الإصلاحية المتلاحقة والنمو السريع في قطاعات التكنولوجيا والبنية التحتية، يتساءل كثيرون: هل يمكن للهند أن تحل محل الصين كمصنع العالم؟

انتزعت الهند المركز الرابع عالمياً من اليابان في ترتيب اكبر اقتصادات العالم ، توقّع صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في نيسان/أبريل أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي للهند إلى 4.187 تريليونات دولار خلال السنة المالية 2025–2026، متجاوزاً اقتصاد اليابان الذي يُقدّر بـ 4.186 تريليونات دولار، لتصبح الهند رابع أكبر اقتصاد عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا.

الهند تمتلك واحدة من أصغر الفئات السكانية عمراً في العالم، مع متوسط عمر يقارب 28 عاما.ً إلى جانب ذلك، تعتبر تكلفة العمالة في الهند مخفوضة مقارنة بالصين، مما يجعلها جذابة للشركات العالمية التي تسعى الى تقليل أكلاف الإنتاج. أطلقت الحكومة الهندية العديد من المبادرات مثل "صُنع في الهند" ، والتي تهدف إلى تعزيز قطاع التصنيع وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي.

في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة مع الصين، تتجه الشركات العالمية إلى تبني استراتيجية "الصين + 1"، وهو ما جعل الهند خياراً مثالياً لتنويع سلاسل التوريد. شركات كبرى مثل Apple وFoxconn وSamsung بدأت بالفعل بتوسيع عملياتها التصنيعية في الهند.

تمتاز الهند بوجود قاعدة استهلاكية كبيرة، خصوصاً مع نمو الطبقة الوسطى وازدياد الطلب المحلي، وهو ما يعزز من جاذبية الاستثمار في التصنيع المحلي. الهند تقع في قلب المسارات التجارية العالمية، وتتمتع بإمكان الوصول إلى أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب شرق آسيا بسهولة. 

مصنع هندي (وكالات)

رغم الإمكانات الكبيرة، تواجه الهند عدداً من العقبات اهمها ضعف البنية التحتية. فرغم   التحسينات، لاتزال تعاني من مشاكل في النقل، والطاقة، والموانئ. كذلك هناك بيروقراطية معقدة، فالبيئة التنظيمية المعقدة والإجراءات البطيئة تشكل عائقًا أمام المستثمرين. إضافة الى أن نقص العمالة الماهرة في الصناعات المتقدمة يمثل تحدياً رئيسياً.

الاقتصاد الهندي ينمو بشكل سريع, الهند تعد من أسرع الاقتصادات نمواً عالمياً وهناك تفوق في قطاع الخدمات: خصوصاً في تكنولوجيا المعلومات والخدمات الرقمية وبنية تحتية رقمية متطورة: أنظمة مثل UPI وAadhaar  أحدثت ثورة في الوصول إلى الخدمات. اجرت الحكومة الهندية إصلاحات اقتصادية جريئة كتطبيق ضريبة السلع والخدمات وخفض الضرائب على الشركات جذبت الاستثمارات. كذلك العدد الكبير من الشباب يدفع النمو الاقتصادي.

اما نقاط ضعف الاقتصاد الهندي فأبرزها فجوات تنموية وتفاوت كبير بين المناطق الحضرية والريفية، وزيادة التفاوت الطبقي ومعدلات بطالة مرتفعة خصوصاً بين فئة الشباب والخريجين. مساهمة مخفوضة للتصنيع في الناتج المحلي, لا تزال أقل من المعدل العالمي وأخيراً عجز مالي مرتفع، فالدين العام يشكل ضغطاً على الإنفاق الحكومي. 

الهند تمتلك جميع المقومات لتصبح لاعباً رئيسياً في سلاسل التوريد العالمية، خصوصاً في مجالات الإلكترونيات، والأدوية، وصناعة السيارات. ومع ذلك، فإن التحول إلى "مصنع العالم" يتطلب استثمارات ضخمة في التعليم والبنية التحتية وإصلاحات تنظيمية عميقة والتركيز على الجودة والإنتاج بكفاءة عالية.

إذا نجحت الهند في تنفيذ هذه الخطوات مع الاستمرار في استقطاب الاستثمارات وتعزيز الثقة العالمية، فإنها مرشحة بقوة لتلعب دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي بحلول ثلاثينات هذا القرن.