اقتصاد وأعمال 26-05-2025 | 20:57

هدنة محفوفة بالرسوم: معركة تجارية مؤجلة بين واشنطن وبروكسل

جاء إعلان التراجع يوم الأحد 26 أيّار/مايو 2025، عقب مكالمة وُصفت بـ"الودية" مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين
هدنة محفوفة بالرسوم: معركة تجارية مؤجلة بين واشنطن وبروكسل
صورة تعبيرية (وكالات)
Smaller Bigger

في خطوة تحمل الكثير من الدلالات السياسية والاقتصادية، تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على الواردات الأوروبية، بعد أيام فقط من تصعيد ناري هز الأسواق العالمية وأربك المستثمرين.

 

وجاء إعلان التراجع يوم الأحد 26 أيّار/مايو 2025، عقب مكالمة وُصفت بـ"الودية" مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وافق ترامب خلالها على تمديد مهلة التفاوض التجاري مع الاتحاد الأوروبي حتى 9 تمّوز/يوليو. هذا التراجع، رغم أنه أراح الأسواق موقتاً، إلا أنه أعاد إلى الواجهة سؤالًا مركزياً: هل نحن أمام هدنة حقيقية؟ أم مناورة تفاوضية؟
لكن على الأقل، نعلم أن الأسواق المالية تتحرك بتهديد، بهدنة، أو حتى بكلمة...


من التصعيد إلى التراجع: تكتيك متكرر في مسرحية ترامب
منذ إطلاق تهديداته الجمركية يوم الجمعة، شهدت الأسواق اضطرابات لافتة؛ لكنها أقل عن السابقة وكأنها أعتادت التصعيد:
المؤشرات الأميركية انخفضت مع العزوف عن شهية المخاطرة.
الذهب ارتفع كمأوى آمن من التقلبات.
اليورو تراجع بـ0.4% أمام الدولار.
لكن الأسواق استعادت شيئاً من توازنها مع إعلان التهدئة يوم الأحد. هذا النمط ليس جديدًا على ترامب؛ فهو يعيد استخدام استراتيجية “التصعيد ثم التراجع” التي اتبعها مع الصين في 2018 ومع اليابان في 2019، والسيناريو المتكرر في 2025.

 

 

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (وكالات)
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (وكالات)

 

ما الذي على المحك؟ خريطة الصادرات الأوروبية إلى أميركا
تُعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأهم للاتحاد الأوروبي، حيث شكّلت 20.6% من صادرات التكتل في 2024. وهذه أبرز القطاعات المهددة:
الأدوية والمنتجات الصيدلانية: صادرات سنوية تقارب 120 مليار يورو، تشمل شركات كبرى مثل Bayer، Novartis، وRoche. ورغم استثناء القطاع من الرسوم سابقًاً، لا ضمان للاستمرار.
صناعة السيارات: نحو 750 ألف سيارة تصدّر سنوياً إلى أميركا، بقيمة 40 مليار يورو، تشكل 24% من قيمة إنتاج الصناعة الأوروبية. شركات مثل Audi وMercedes-Benz وStellantis عرضة لتلقي ضربة قوية، خاصة في ظل غياب مصانع محلية في بعض الحالات.
قطاع الطيران: شركة Airbus الفرنسية تبيع 12% من طائراتها للولايات المتحدة. كما تتأثر شركات المحركات مثل Safran وMTU.
العطور والسلع الفاخرة والكحول: فرنسا وحدها صدّرت عطوراً بنحو 2.5 مليار يورو. شركات مثل L’Oréal وHeineken وBirkenstock قد تخسر كثيراً من جراء فرض الرسوم.
السلع الفاخرة: تُباع ربع المنتجات الفاخرة الأوروبية في السوق الأميركية. هذا القطاع يشغّل 600 ألف شخص في فرنسا وحدها، ويُعد محورياً لإيطاليا أيضاً.

 

رأي
أحمد عزام
هدنة جمركية بين واشنطن وبكين: هل توقف الحرب التجارية أم لعبة وقت؟
بحسب البيان المشترك الصادر من جنيف، وافقت الولايات المتحدة على خفض الرسوم الجمركية من 145% إلى 30% على الواردات الصينية، فيما ستخفض الصين من جانبها تعريفاتها على المنتجات الأميركية من 125% إلى 10%، بدءًا من 14 أيار/مايو.

 

الملفات الشائكة: ما زال الاتفاق بعيداً
رغم جهود التقارب، لا تزال هناك ملفات عالقة بين واشنطن وبروكسل:
الرسوم على السيارات الأوروبية، خاصة الألمانية.
الضرائب الأوروبية على شركات التكنولوجيا الأميركية.
الوصول المتبادل إلى المشتريات الحكومية.
التعاون في الطاقة والتكنولوجيا الحديثة.
ورغم تقديم بروكسل حزمة تشمل خفضاً تدريجياً للتعريفات وتعاوناً في الذكاء الصناعي والطاقة، اعتبرت واشنطن العرض "غير كافٍ"، خاصة مع اتهامات بأن بعض الدول الأوروبية "مكبّلة اليدين" تفاوضياً.

 

كيف ستتأثر الأسواق؟ نظرة إلى المستقبل القريب
الأسهم: الشركات الأوروبية، خصوصاً المصنعة للسيارات والسلع الفاخرة، قد تواجه عمليات بيع جماعية إذا عاد التهديد الجمركي.
الذهب والدولار: الذهب سيستفيد من تصاعد التوترات، فيما قد يتقلب الدولار.
النفط: تزايد التوتر التجاري قد يضغط على أسعار النفط بفعل مخاوف تباطؤ عالمي في الطلب.
شركات التكنولوجيا الأميركية: قد تكون هدفاً لردود أوروبية، خصوصاً في قطاع البيانات والضرائب الرقمية.

 

الرد الأوروبي: الاستعداد للانتقام
الاتحاد الأوروبي لم يقف مكتوف اليدين. فهو يحضّر قائمة إجراءات مضادة تشمل فرض رسوم على صادرات أميركية بـ95 مليار دولار، تستهدف السيارات والمنتجات الزراعية والتكنولوجيا. كما أن تأجيل بروكسل لرسومها على واردات الصلب والألومنيوم الأميركية كان جزءاً من محاولات التهدئة.
لكن أي تصعيد جديد من واشنطن قد يدفع الاتحاد لتفعيل قائمة الانتقام، خصوصاً مع تصاعد الضغط الشعبي في أوروبا لعدم الخضوع لما يُرى أنه "ابتزاز اقتصادي".

ترامب يراوغ
باتت الأسواق لديها العديد من التواريخ الهامة، فكل تأجيل وتوقف من الرئيس الأمريكي يعطي تاريخاً جديداً للمتابعة. حتى التاسع من تموز/يوليو لأوروبا، ستبقى الأسواق تسير على حبل مشدود، تتأرجح بين الأمل بصفقة والتخوف من انفجار جديد في العلاقات الاقتصادية الأطلسية. ورغم الخطاب "الودي"، يدرك الجميع أن أي خلل قد يُشعل شرارة حرب تجارية عابرة للأطلسي — حرب قد تكون كلفتها باهظة.

 

**أحمد عزام، رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي.

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟