عندما خذل الذهب الخوف: لماذا لم يلمع المعدن وسط ذروة الهلع؟

كنا نظن أننا نعرف الذهب. في كل أزمة، يلمع. في كل توتر، يقفز. وفي كل انهيار، يتحوّل إلى ملاذ لا يخون.
لكن في الأسبوع الأول من نيسان، حدث ما لم يكن متوقَّعاً: الذهب تراجع 6.7% في يوم ثلاثة ايام، تمامًا حين كانت الأسواق تستغيث.
الأسهم تنهار. التريليونات تتبخّر. الخوف ينتشر... والذهب؟ ينزلق. فماذا جرى؟ ولماذا خذل المعدن النفيس صورته القديمة كدرع في وجه الذعر؟
السيولة أولًا... حتى لو على حساب الذهب
الحرب الجمركية بين واشنطن وبكين اشتعلت من جديد. الولايات المتحدة فرضت رسومًا مفاجئة، والصين ردّت بنسبة 34% على سلع أميركية أساسية، فيما الأسواق لم تتحمل، ما أدى إلى تهاوي الأسهم الأميركية والأوروبية، أما المستثمرون فهربوا إلى ما هو أسرع من الذهب: الكاش.
في لحظات الهلع القصوى، حتى الذهب يُباع، ليس لضعفه، بل لحاجات أكثر بدائية: تغطية نداءات الهامش (margin calls)، تأمين السيولة، وإطفاء خسائر في أسواق أخرى.
السوق لم يبع الذهب لأنه فقد الثقة فيه، بل ببساطة لأنه كان يملك سيولة جاهزة للبيع.
الذهب لم يفقد بريقه... بل أخذ خطوة للوراء
مشكلة الذهب هذه المرة لم تكن في قيمته، بل في إيقاع السوق نفسه، فالضغوط التضخمية عادت سريعاً بعد فرض الرسوم الجمركية، لكن الاستجابة لم تكن فورية.
المستثمرون، في لحظة ارتباك، أوقفوا مؤقتاً اندفاعهم نحو الذهب، بانتظار إعادة التمركز. الذهب، إذاً، لم يُقصَ من المشهد... بل ينتظر، وما نشهده الآن من ارتداد في الأسواق قد يكون إشارة على بدء هذه العودة التدريجية.
هل هذه فرصة؟ أم فخ؟
البعض يرى أن هذا التراجع هو آخر هدية من الذهب قبل الانطلاقة التالية، وعليه إذا جاءت بيانات التضخم هذا الأسبوع أقوى من المتوقع، قد يعود الذهب ليتجاوز مستوياته التاريخية، لكن الاستثمار في الذهب اليوم لا يجب أن يُفهم كمضاربة، بل كتحوّط. ليس تحوّطًا من الأسواق فقط، بل من النظام بأكمله: من أزمة ديون قادمة، من اضطراب في السياسات النقدية، ومن عالم بدأ يُعيد التفكير بثقته في عملاته وديونه.
ماذا يعني ذلك للمستثمر العربي؟
في منطقتنا، الذهب ليس مجرد أصل مالي، فهو ثقافة، تقليد، ووسيلة دائمة لحفظ القيمة. وسواء استمر التراجع الحالي أم لا، تبقى شهية الاقتصادات الكبرى في المنطقة للذهب أقرب إلى نبض طويل الأمد. فمن السعودية إلى الإمارات، الطلب على الذهب بقي مرتفعًا رغم تقلبات السوق العالمية، وهذا وحده مؤشر أن الرؤية في المنطقة تتجاوز العناوين اليومية.
في الخلاصة، الذهب لم يخذلك، هو فقط تصرّف كحجر أساس في نظام مالي يتشقّق، فباعه من احتاج السيولة، وليس من فقد الإيمان.
*فرح مراد، محللة أولى للأسواق في مجموعة Equiti