الأسواق العالمية في 2025: هل حان الوقت لوداع الأسهم الأميركية؟
تشهد الأسواق الأميركية حالة من الترقب والقلق وسط تصاعد المخاوف بشأن السياسات الاقتصادية والتجارية التي قد تعيد رسم التوازنات المالية العالمية. مع تصاعد الحديث عن فرض رسوم جمركية جديدة وإعادة النظر في الاتفاقات التجارية، بات المستثمرون يعيدون تقييم المخاطر المحتملة في بيئة تتسم بالتقلبات الحادة وانعدام اليقين.
تقلبات حادة وضغوط على الأسواق
تأثرت معنويات المستثمرين بشكل سلبي مع تصاعد الحمائية التجارية، مما أدى إلى ضغوط متزايدة على أسواق المال الأميركية. ويواجه مؤشر S&P 500 وغيره من المؤشرات الرئيسية تحديات كبيرة في ظل سعي مديري الصناديق للتحوط ضد التداعيات المحتملة، وسط توقعات بتغيرات جوهرية قد تؤثر على مستقبل التجارة والنمو الاقتصادي.
تحولات في استراتيجيات الاستثمار
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن المستثمرين قاموا بأكبر خفض لمخصصاتهم من الأسهم الأميركية خلال شهر آذار (مارس)، بحيث انخفضت مخصصات الأسهم الأميركية بمقدار 40 نقطة مئوية، من 17% زيادة في الوزن في شباط (فبراير) إلى 23% نقصان في الوزن الصافي في آذار (مارس)، وفقاً لمسح أجراه "بنك أوف أميركا".
المسح أشار أيضاً إلى أن هناك عوامل عدة ساهمت في هذه التراجعات:
- المخاوف من الركود التضخمي.
- تصاعد الحرب التجارية العالمية.
- انتهاء "الاستثنائية الأميركية" التي كانت تدعم أداء الأسواق.
تحولات في وجهات الاستثمار: أوروبا واليابان أكثر جاذبية
مع تزايد المخاطر في الأسواق الأميركية، بدأ المستثمرون بإعادة توجيه استثماراتهم نحو الأسواق الأوروبية واليابانية. فقد شهدت أسهم منطقة اليورو ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 27 نقطة مئوية خلال الشهر نفسه، وهو أعلى مستوى منذ تمّوز (يوليو) 2021. ويعتبر هذا التحول الأكبر من الولايات المتحدة إلى أوروبا منذ عام 1999.
من ناحية أخرى، كانت السوق اليابانية محور اهتمام المستثمرين الكبار مثل "وارن بافيت"، الذي زاد من استثماراته فيها. يعكس هذا التوجه تفاؤل المستثمرين بأداء السوق اليابانية على المدى الطويل.
أبرز أسباب الخروج من السوق الأميركية
يشير جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، إلى أن هناك عوامل عدة ساهمت في توجه المستثمرين نحو التخارج من الأسهم الأميركية والتحول إلى أسواق وأسهم أخرى أكثر جذباً، أبرزها:
جني الأرباح:
شهدت الأسهم الأميركية، ولاسيما منها المدرجة في مؤشر S&P 500، ارتفاعات كبيرة خلال عامي 2023 و2024، مما جعل من الطبيعي للمستثمرين أن يقوموا بجني الأرباح بعد هذه المكاسب الكبيرة.
ارتفاع التقييمات:
أدت التقييمات المرتفعة للأسهم الأميركية إلى زيادة قلق المستثمرين، مما دفعهم للبحث عن فرص استثمارية أخرى في أسواق أكثر جاذبية.
التحول إلى الأسواق الصينية:
بعد ثلاثة أعوام من الأزمات والخسائر في السوق الصينية بين 2021 و2023، بدأت السوق بالتعافي بفضل الحوافز الحكومية. هذا الدعم عزز ثقة المستثمرين، خصوصاً مع دخول الشركات الصينية بقوة في قطاع الذكاء الاصطناعي، كما أعلن "علي بابا" عن منتجات جديدة في هذا المجال.
الأسواق الأوروبية واليابانية:
شهد بعض القطاعات في الأسواق الأوروبية، ولاسيما منها قطاع الدفاع، انتعاشاً ملحوظاً بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تقليص الدعم الأميركي لأوكرانيا، مما دفع الدول الأوروبية الى تعزيز استثماراتها الدفاعية والبنية التحتية.
أما السوق اليابانية، رغم خفض تقييماتها، فقد جذبت اهتمام المستثمرين الكبار مثل "وارن بافت"، مما يعكس التفاؤل بشأن أدائها على المدى الطويل.
عدم اليقين في السياسات الأميركية:
أدى الغموض المتعلق بسياسات ترامب النقدية والضريبية والتجارية، وولاسيما منها ما يتعلق بالرسوم الجمركية، إلى دفع المستثمرين للبحث عن أسواق أكثر استقراراً. ومع ذلك، يُتوقع أنه في حال عودة الاستقرار إلى هذه السياسات، أن تستعيد الأسواق الأميركية جاذبيتها في المستقبل.
انعكاسات على القطاعات المختلفة
وفقاً لمسح "بنك أوف أميركا"، فإن المستثمرين خفضوا مخصصاتهم لأسهم التكنولوجيا بنسبة 12%، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عامين، بينما زادوا استثماراتهم في قطاعات مثل المرافق والبنوك. وارتفعت مستويات السيولة النقدية للمستثمرين إلى 4.1%، مما يعكس قلقاً متزايداً بشأن الأوضاع الاقتصادية.
هل تعود الأسواق الأميركية الى جاذبيتها قريباً؟
يرى خبراء الأسواق المالية أن هناك عوامل قد تعيد الجاذبية الى الأسواق الأميركية، منها:
1. استقرار السياسات التجارية، إذ أن وضوح رؤية الإدارة الأميركية بشأن الرسوم الجمركية قد يساهم في عودة الثقة إلى المستثمرين.
2. الفرص الشرائية الجديدة، بحيث قد يصبح بعض الأسهم الأميركية أكثر جاذبية بعد تراجعاتها الأخيرة، مثل أسهم تسلا وإنفيديا.
في الختام، تشهد الأسواق الأميركية تحولًا في استراتيجيات الاستثمار بسبب الضبابية السياسية والتجارية، مما يدفع المستثمرين إلى البحث عن أسواق أكثر استقراراً. ومع ذلك، فإن عودة الأسواق الأميركية إلى الجاذبية ستعتمد بشكل أساسي على استقرار السياسات الاقتصادية والقدرة على مواجهة تحديات التضخم والتجارة العالمية.
نبض