اتفاقيات مصر وقبرص: شرق المتوسّط مركز لدعم أمن أوروبا

في ظلّ التوجّه العالمي نحو تأمين مصادر الطاقة وتعزيز التعاون الإقليمي، وقّعت مصر وقبرص مجموعة من الاتفاقيات الاستراتيجية التي تمهّد الطريق لتصدير الغاز من الحقول البحرية القبرصية إلى مصر، بهدف تسييله وإعادة تصديره إلى الأسواق الأوروبية.
تستند هذه الخطوة إلى الاستفادة من البنية التحتية لمرافق الغاز الطبيعي المسال في مصر، التي تتيح معالجة الغاز بكفاءة قبل شحنه للأسواق الأوروبية، لتعكس هذه الاتفاقيات التزام البلدين بتعزيز وضع منطقة شرق البحر المتوسط كمركز عالمي للطاقة، ما يسهم في تحقيق الاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية ودعم أمن الطاقة في أوروبا.
تفاصيل الاتفاقيات
تشمل هذه الاتفاقيات معالجة الغاز المستخرج من منطقة الامتياز السادسة بحقل كرونوس في منشآت حقل ظهر في مصر قبل تسييله في مصنع إسالة الغاز الطبيعي في دمياط وتصديره إلى أوروبا، حيث يجري تشغيل هذا الموقع حالياً بموجب ترخيص مشترك بين إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية. كما تحدد مذكرة تفاهم إطاراً لمعالجة الغاز من حقل أفروديت البحري في قبرص، بموجب ترخيص لكونسورتيوم بقيادة شيفرون، حيث سيُرسل أيضاً إلى مصر للمعالجة.
تعقيباً على ذلك، يؤكد خبراء في الاقتصاد وفي قطاع الطاقة أهمية توقيت هذه الاتفاقيات للبلدين، لتبادل الخبرات المشتركة وتحقيق الاستدامة ودعم تحوّل منطقة شرق البحر المتوسط إلى منصّة تصديرية حيوية إلى القارة الأوروبية خلال الفترات المستقبلية. ويضيفون أن العوائد المشتركة للاتفاقيات قوية للدولتين، حيث تمثل دفعة لمصر التي تعاني انخفاض إنتاج الغاز المحلي، وخطوة استراتيجية لقبرص نحو استغلال مواردها الطبيعية والتحول إلى منصة تصديرية حيوية.
توجهات استراتيجية
تقول أستاذة الاقتصاد والطاقة الدكتورة وفاء علي لـ"النهار" إن القراءة الإجمالية للأحداث ومشهد الطاقة المصري وارتباطه بالخريطة العالمية ومنطقة شرق وشمال المتوسط على صعيد الأداء والأفق الزمني تتجه نحو الإيجابية. وتضيف أن مصر تسعى إلى مواصلة جهودها في إعادة بناء الخريطة الطاقوية المصرية لتعزيز قطاع الطاقة كمكوّن رئيسي من مكوّنات الأمن القومي المصري وهو الملفّ الأول فى تحسين وتيرة الاقتصاد من خلال زيادة الإنتاج المحلي وتنمية الحقول بجغرافيا جديدة.
وتشير إلى أن تلك التوجهات تأتي في إطار استراتيجية شاملة لتحقيق الاستدامة وتلبية احتياجات السوق المحلية ومن هنا تأتي هذه الاتفاقيات مع قبرص، لتحقق عوائد مشتركة للدولتين وتمثل ثقلاً سياسياً ودولياً جديداً لمصر على الساحة الدولية والإقليمية وخطوة محورية في إطار دورها كمركز عالمي ودولي لتداول الطاقة وداعمة لتوسيع نطاق عمليات البحث والاستكشاف فى المتوسط والعودة إلى المخططات المعتمدة.
عوائد قويّة
تأتي هذه الاتفاقيات في توقيت حيوي، تعاني مصر فيه من انخفاض إنتاج الغاز المحلي، حيث وقّعت مصر في الآونة الأخيرة اتفاقيات لتوريد الغاز الطبيعي المسال بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتغطية الطلب المحلي خلال العام الحالي، إضافة إلى رغبة قوية من قبرص نحو استغلال احتياطاتها عبر الاستفادة من البنية التحتية المتطوّرة لمرافق الغاز الطبيعي المسال في مصر، بهدف التحوّل إلى منصّة تصديرية جديدة لدول أوروبا وتعزيز أمن الطاقة للبلدين. وهذا ما تؤكده علي بشأن العوائد الإيجابية المتوقعة للبلدين من هذه الاتفاقيات، وهي دعم مستهدفات مصر للتحوّل كمركز عالمي ودولي لتداول الطاقة وتأمين إمدادات الطاقة وضمان الاستدامة، إضافة إلى عوائد قوية على صعيد التوسع نحو التصدير لأوروبا بالتزامن مع تقلص إمدادات الطاقة للقارة الأوروبية، فضلاً عن إسهام التعاون المشترك في الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية واتساع رقعة البحث وتوافر فرص التشغيل للجانبين.
يتفق معها الخبير الاقتصادي أحمد المسيري، إذ يؤكد لـ"النهار" أهمية الاتفاقيات الموقعة بين مصر وقبرص، حيث تمثل خطوة استراتيجية تعزز التعاون بين البلدين في قطاع الطاقة، وتحقق عوائد اقتصادية وجيوسياسية هامة.
يضيف المسيري أن هذه الاتفاقيات تتيح لقبرص الاستفادة من البنية التحتية المصرية المتطورة في مجال تسييل الغاز، ما يسهم في تسريع عمليات التصدير وتعظيم العائدات من احتياطيات الغاز البحرية القبرصية. ومن ناحية أخرى، تعزز مصر مكانتها كمركز إقليمي لتجارة وتصدير الغاز، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي وقدراتها المتقدمة في معالجة وتسييل الغاز الطبيعي، إضافة إلى تحفيز الاستثمارات الأجنبية، حيث يشجع التعاون الناجح بين البلدين الشركات العالمية على ضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع الطاقة بمنطقة شرق المتوسط، كما تمثل خطوة استراتيجية تعزز مكانة البلدين على خريطة الطاقة العالمية، وتسهم في تحقيق الاستقرار والنموّ الاقتصادي.