يقترب شهر رمضان وثمة نحو 1.9 مليار مسلم حول العالم، أي قرابة 25 في المئة من سكان العالم، يستعدون لاستقبال هذا الشهر الكريم، ويأملون أن تمتلئ موائدهم بالخيرات، لكن التضخم في بعض البلدان العربية مثل سوريا ولبنان ومصر قد يحول دون تحقيق ذلك، ما قد يدفع العديد من الأسر للاقتصاد في وجباتهم الرمضانية؛ لذلك تعرض لك "النهار" تكلفة وجبة الإفطار في العديد من البلدان العربية والأوروبية المختلفة، ومدى تأثرها بمعدلات التضخم المتنامية باستمرار.

تختلف مكونات وجبة إفطار رمضان حسب عادات وتقاليد كل دولة، لكن ثمة بعض الأطباق الرئيسية التي لا غنى عنها في أي وجبة، مثل التمر والماء فعادة ما يتناول الفرد الواحد من 3 الى 5 تمرات، وكوب ماء أو عصير طبيعي مثل الكركديه أو التمر الهندي، والشوربة (لتهيئة المعدة) مثل شوربة عدس أو شوربة لسان العصفور أو شوربة خضار.

أما الطبق الرئيسي في الغالب يكون أرز بالشعرية أو مكرونة أو خبز، وبجانبه عنصر البروتين مثل دجاج مشوي، كفتة مشوية، أو مسقعة باللحم المفروم، أضف الى ذلك الخضار المطبوخ مثل ملوخية، بامية، أو بطاطس محمرة، وبجانبهم السلطات والمقبلات مثل سلاطة خضراء أو فتوش أو طحينة أو بابا غنوج، وبعد ذلك يقدم مشروب بعد الإفطار مثل شاي بالنعناع، قمر الدين، أو يانسون، وأخيراً الحلوى مثل أرز باللبن، قطايف بالقشطة، أو بسبوسة (ولا تقدم يومياً بل مرتان أو 3 مرات أسبوعياً).

سوريا

تصدرت سوريا قائمة الدول ذات الفجوة الكبيرة بين تكاليف الإفطار والحد الأدنى للأجور، وبلغت تكلفة وجبة الإفطار لأسرة من 5 أفراد نحو 415.8 دولارًا لشهر رمضان، أي ما يقارب 13.86 دولارًا يوميًا، وفقًا لمؤشر "فورتشن العربية" الصادر في آذار (مارس) 2024، والذي جمع أسعار مكونات وجبة إفطار لـ 5 أفراد، وهو متوسط عدد أفراد الأسرة المعيشية حسب تقرير لمنظمة الإسكوا صادر في كانون الأول (ديسمبر) 2021، باحتساب عدد 1200 سعرة حرارية لكل فرد حداً أدنى استناداً الى رأي خبراء في مجال التغذية، وتشمل الوجبة تمر وخبز وسلاطة وعصائر وأرز مع دجاج/لحم وبطاطا وشوربة وحلويات.

ويعيش 75 في المئة من الشعب السوري على أقل من 3.65 دولارات يومياً، بينما يعيش 33% في فقر مدقع بأقل من 2.15 دولارين يومياً، كما تراجع الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار قبل 2010 الى أقل من 6 مليارات دولار في 2024، بحسب بيانات البنك الدولي.

وأظهرت نشرة ضمان الاستثمار الصادرة عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات عن الفترة تشرين الأول –كانون الأول 2024، أن معدلات التضخم في سوريا تقدّر بنحو 85 في المئة خلال عام 2024، مقابل 135 في المئة عام 2023.

ووفقاً لتقرير مؤشرات التضخم الذي نشره مصرف سوريا المركزي على قناته ‏في التلغرام، فإن معدل التضخم في سوريا خلال عام 2024 سجّل 57 في المئة، وهو أعلى من معدل التضخم العام في لبنان البالغ 45.5 ‏بالمئة، وأدنى من معدل التضخم العام في تركيا البالغ 58.6 بالمئة للفترة ذاتها.‏

ويتراوح متوسط الأجور في سوريا بين 50 و100 دولار شهرياً، فيما يقدّر الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص بـ278,910 ليرات سورية شهريًا (21.1 دولار شهرياً بالسعر الرسمي – 26.7 دولار بسعر السوق الموازية)، وذلك وفقًا للمرسوم التشريعي رقم (7) لعام 2024.

وبناء على ما سبق يتضح أن متوسط الدخل الشهري في سوريا لا يكفي سوى للربع الأول من شهر رمضان، فيما سيضطر الأهالي بسوريا للاقتصاد في وجباتهم لإكمال الشهر الكريم.

لبنان

بلغت الفجوة بين تكلفة وجبة الإفطار في رمضان والحد الأدنى للأجور نسبة 250 في المئة وفق مؤشر فورتشن العربية، إذ سجل إجمالي تكلفة وجبات رمضان ألف دولار (89.5 مليون ليرة)، فيما بلغ الحد الأدنى للأجور 400 دولار (35.8 مليون ليرة)، بحسب سعر الصرف الرسمي.

وأظهرت دراسة لمرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية ببيروت عام 2021 أن تكلفة وجبة إفطار بسيطة لأسرة مكونة من 5 أفراد بلغت حوالي 60,250 ليرة لبنانية يوميًا (بنحو 34 دولاراً)، ما يعادل تقريبًا 1.8 مليون ليرة شهريًا (1001 دولار). مع تدهور قيمة العملة اللبنانية، قد تكون هذه الأرقام ارتفعت بشكل كبير في السنوات اللاحقة.

ويتضح مما سبق أنه منذ عام 2021، شهد سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية ارتفاعًا قياسياً قدره 5,793.5 في المئة، حيث كان سعره عام 2021 بنحو 1,519.51 ليرة لبنانية، بينما الآن يبلغ سعره 89,553.58 ليرة لكل دولار واحد.

مصر

شهدت مصر تحسناً في معدلات التضخم خلال كانون الثاني (يناير) الماضي حيث انخفض لمستوى 24 في المئة، مقابل أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المئة خلال أيلول (سبتمبر) 2023، حيث بدأ التضخم في الارتفاع الشديد عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب الى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية، ورغم توقعات رويترز بانخفاض معدلات التضخم السنوي بمصر لمستوى 23 في المئة إلا أن توقعات خفض الفائدة المتوقع أن يجريها البنك المركزي المصري قد تتسبب في هجرة بعض الأموال الساخنة لأسواق تُدر عوائد أكبر ما قد يتسبب في ارتفاعات جديد بمعدلات التضخم، بدورها ستدفع المصريين للاقتصاد في وجبات الإفطار.

بلغت تكلفة وجبة إفطار رمضانية لأسرة مكونة من 5 أفراد نحو 293.4 دولارًا لشهر كامل، أي ما يعادل تقريبًا 9.78 دولارًا يوميًا، مقابل حد أدنى للأجور بلغ 120 دولاراً بالشهر، وفقاً لمؤشر "فورتشن العربية"، ويظهر ذلك أن نسبة وجبات إفطار رمضان من الدخل الشهري هي 244.5%؛ وهذا يعني أن قيمة الوجبات الغذائية تتجاوز الدخل الشهري بأكثر من الضعف.

وتقول آمنة مهران، ربة منزل تبلغ من العمر 64 عاماً، لـ"النهار" إن المعاش الذي تتقاضاه من الدولة هو 4 آلاف جنيه (أقل من 100 دولار)، بينما نفقات شهر رمضان لأسرتها المكونة من 5 أفراد تتخطى 15 ألف جنيه، لذلك ينتابها القلق من قدوم الشهر الكريم دون أن توفر احتياجات المنزل اللازمة.

وتؤكد مهران أن هناك فجوة كبيرة بين الدخل وغلاء السلع الاستراتيجية مثل الغذاء والدواء والملابس، قائلة "نحن منذ 10 سنوات لم يشتري أي فرد من أسرتنا ملابس العيد، وفي ظل هذا الغلاء وضعف الأجور أجبرنا على الاستغناء عن العديد من أساسيات الحياة".

فرنسا

يختلف الوضع في أوروبا عن العديد من البلدان العربية، ففي فرنسا التي تعاني من ضعف في الأجور، نجد أن معدل التضخم انخفض من 2.2 في المئة خلال آب 2024 إلى 1.3 خلال كانون الأول من العام نفسه، بحسب ما أظهرته أحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الفرنسي.

وتقول ندى سعيد، البالغة من العمر 34 عاماً وتعمل محاسبة في إحدى شركات الخدمات البترولية الكبرى بمدينة غرونوبل الفرنسية، لـ"النهار" إن تكلفة وجبة إفطار لخمس أفراد في فرنسا تشمل تمر وخبز وسلاطة وعصائر وأرز مع دجاج/لحم وبطاطا وشوربة وحلويات يمكن أن تتراوح بشكل عام بين 70 و 150 يورو، وذلك بناءً على نوعية المكان والمأكولات المختارة. وعليه فإن إجمالي تكلفة إفطار شهر رمضان ستتراوح بين 2,100 يورو و4,500 يورو حسب نوعية المأكولات والمكان، قائلة "بالطبع هذه التكلفة باهظة جداً، مقارنة بمتوسط الدخل الذي يتراوح بين 1,200 و2,000 يورو شهرياً، لذلك فإن المعيشة في فرنسا تتطلب أن يكون الزوجان يعملان في وظائف تدر لهم دخلاً ملائماً".

رمضان واقتصادات الدول الإسلامية