ارتفاع غير مسبوق في نسبة الأسر التي تعيلها نساء في المغرب

يشهد المغرب ارتفاعاً غير مسبوق في نسبة الأسر التي تعيلها نساء وسط دعوات بتخفيف وطأة الفقر والتمييز الذي يعاني منه العديد من النساء في الهوامش.
أظهرت نتائج الإحصاء العام للسكان في المغرب لعام 2024 تغيرات هامة تعكس تطورات في البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع المغربي، وتحديداً في الدور المتزايد للنساء في تسيير الشؤون الأسرية، بعدما سُجّل ارتفاع غير مسبوق في نسبة الأسر التي تعيلها نساء من 16.2% في عام 2014 إلى 19.2% في 2024، وهو ما يثير تساؤلات عدة حول وضع المرأة المغربية في هذا السياق، وتحدياتها المتزايدة في مواجهة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، خلال الإعلان عن نتائج الإحصاء، أن هذا الارتفاع في نسبة الأسر التي ترأسها النساء يعكس بشكل جلي التحولات التي طرأت على الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء في المغرب، وهذه التحولات تمثل انعكاساً للديناميات الأسرية التي أصبحت تشهد تغييرات كبيرة على مستوى التوزيع الاجتماعي والدور القيادي داخل الأسرة، وهو ما يعكس التطور الاجتماعي في المجتمع المغربي.
ومن خلال المعطيات التي حصلت عليها "النهار" من المندوبية السامية للتخطيط، لوحظ أن هذا الارتفاع في نسبة النساء المعيلات كان أكثر وضوحا في الوسط الحضري، حيث بلغت نسبة الأسر التي ترأسها نساء 21.6% في عام 2024، مقارنة بـ 14.5% في الوسط القروي. هذا التفاوت بين المدن والقرى يعكس الاختلافات في الفرص الاقتصادية والاجتماعية المتاحة للنساء في مختلف المناطق، حيث تزداد فرص المرأة في المدن مقارنة بالريف، ما يساهم في زيادة استقلاليتها الاقتصادية والاجتماعية.
وفي ما يتعلق بحجم الأسر في المغرب، فقد بلغ العدد الإجمالي للأسر 9,275,038 أسرة في 1 أيلول (سبتمبر) 2024، مقارنة بـ7,313,806 أسرة في عام 2014، مسجلًا بذلك معدل نمو سنوي متوسط قدره 2.4%، مقارنة بـ 2.6% خلال الفترة ما بين 2004 و2014. هذه الزيادة في عدد الأسر جاءت بوتيرة أسرع من نمو السكان، الذي بلغ 0.85%، ما يشير إلى أن الزيادة في الأسر كانت نتيجة لتحولات في نمط الحياة، كالتوجه نحو الأسر الأصغر حجماً. وقد أدت هذه التحولات إلى انخفاض متوسط حجم الأسرة من 4.6 أفراد في 2014 إلى 3.9 أفراد في 2024، وهي ظاهرة شملت كلا من الوسطين الحضري والقروي.
أما في ما يتعلق بتوزيع بنية الأسر في المغرب، فقد أظهرت الإحصاءات تطوراً ملحوظاً في تركيبة الأسر بين عامي 2014 و2024. حيث ارتفعت نسبة الأسر المكونة من شخص واحد من 7.2% في 2014 إلى 11.1% في 2024، كما ارتفعت نسبة الأسر المكونة من شخصين إلى ثلاثة أشخاص من 26.1% إلى 31.7% في المقابل، تراجعت نسبة الأسر المكونة من أربعة أفراد أو أكثر من 66.7% في 2014 إلى 57.2% في 2024، ما يعكس تحولات كبيرة في طبيعة الحياة الأسرية، مع زيادة في الأسر الصغيرة التي تعكس تغيرات في أنماط الزواج والإنجاب.
وفي ما يتعلق بمستوى التعليم في المغرب، سجل الإحصاء تراجعاً ملحوظاً في معدل الأمية، حيث انخفض من 32.2% في 2014 إلى 24.8% في 2024، وهو انخفاض يظهر بشكل أكبر في المناطق القروية، حيث لا تزال الأمية تمثل تحدياً كبيراً. كما لوحظ تحسن في مستوى تعليم النساء، ما يعكس التقدم الذي أُحرز في مجال التعليم على مستوى الجنسين، خصوصاً في الريف.
أما في ما يتعلق بمعرفة القراءة والكتابة بين السكان، فقد أظهرت النتائج أن 99.2% من السكان الذين تجاوزوا سن العاشرة يعرفون القراءة والكتابة باللغة العربية، في حين أن 1.5% فقط يعرفون القراءة والكتابة بالأمازيغية باستخدام حرف تيفيناغ. وفي ما يخص اللغات الأجنبية، تظل اللغة الفرنسية الأكثر انتشارًا بين المتعلمين، تليها اللغة الإنجليزية، ما يعكس المكانة المهيمنة للفرنسية في التعليم وفي التواصل مع الخارج، رغم نمو أهمية الإنجليزية في السنوات الأخيرة.
وتعكس هذه النتائج، التحولات العميقة التي يشهدها المجتمع المغربي على مختلف الأصعدة، سيما على دور المرأة المتزايد في قيادة الأسرة والمشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فبحسب الحقوقية ورئيسة جمعية الأمل للتنمية المستدامة، حياة السغروشني، التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغرب، ولا سيما في ما يتعلق بارتفاع نسبة الأسر التي تعيلها نساء، هي ظاهرة تعكس تطوراً إيجابياً، لكنها في الوقت ذاته تثير تساؤلات حقيقية حول طبيعة هذه التغيرات وحجم التحديات التي تواجهها النساء في هذا السياق.
وأبرزت المتحدثة في تصريح لـ "النهار"، أن "زيادة نسبة النساء المعيلات للأسرة من 16.2% في 2014 إلى 19.2% في 2024 تعد مؤشراً على تصاعد دور المرأة في المجتمع، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هذا الدور لا يترافق مع صعوبات جمة في ظل بنية اجتماعية لا تزال تفرض العديد من القيود على النساء، خاصة في المناطق القروية"، مشيرة إلى أنه "لا يمكن تجاهل حقيقة أن هذه الزيادة تترجم أيضاً إلى بروز المرأة كفاعل رئيسي في تدبير شؤون الأسرة، ما يعكس تحولاً كبيراً في الديناميات الأسرية في المغرب، لكن ينبغي أن نتساءل عن الدعم المقدم لهذه الفئة من النساء من حيث التمكين الاقتصادي، والحماية القانونية، والتوعية المجتمعية. ففي حين أن النساء يشكلن شريحة كبيرة من المعيلات، يبقى الدور الفعلي الذي تقوم به هذه الفئة في التأثير على السياسات العامة والاقتصاد محدوداً، بسبب العوائق التي لا تزال تكتنف مشاركتهن الفعالة في الحياة العامة".
وشدّدت المتحدثة، على أن "تزايد نسبة الأسر التي ترأسها نساء، خصوصاً في الوسط الحضري، يبرز الحاجة الماسة إلى دعم وتشجيع هذه الظاهرة بشكل أكبر، سواء من خلال تشجيع العمل اللائق للنساء، أو من خلال توفير آليات تعليمية وتكوينية متخصصة تُمكنهنّ من التغلب على الصعوبات الاقتصادية"، موردة: "ما نشهده من تطور في بنية الأسر المغربية يتطلب التزاماً جاداً من قبل السلطات المختصة لتقديم الدعم الكافي للنساء، خاصة الأرامل والمطلقات اللاتي يشكلن النسبة الأكبر من المعيلات، بما يضمن تعزيز استقلاليتهن الاقتصادية وحقوقهن الاجتماعية".
وأكدت السغروشني أن "الحركات الحقوقية في المغرب تؤكد أن تعزيز دور المرأة في المجتمع يجب أن يرتكز على ضمان حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إطار من المساواة والعدالة، فلا يمكن اعتبار هذه التحولات مجرد أرقام دون أن تُترجم إلى واقع ملموس يمكن أن يخفف من وطأة الفقر والتمييز الذي يعاني منه العديد من النساء، لا سيما في المناطق الأكثر هشاشة".