تقرير بنك عوده عن الأسواق المالية في 2024: عام الصمود لليرة والقفزات لليوروبوندز رغم الحرب
قال التقرير الأسبوعي لبنك عوده في جردته السنوية للعام 2024 أنّ الليرة اللبنانية صمدت مقابل الدولار في السوق الموازية على الرغم من الفراغ الدستوري المتمادي والخسائر الاقتصادية الفادحة التي خلّفها العدوان الاسرائيلي، فيما تمكنت احتياطيات مصرف لبنان السائلة بالعملات أن تقفل العام بنمو صافٍ إيجابي لتبلغ زهاء 10.2 مليار دولار منتصف كانون الأول 2024 رغم تعرضها للنزيف خلال شهري الحرب الشاملة في تشرين الأول وتشرين الثاني وذلك جراء الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها المركزي. إلا أنه في هذا السياق، أشار البنك الدولي في تقرير حديث له إلى أنّ هذا الاستقرار في سعر الصرف لا يزال هشاً وغير مستدام نظراً لغياب الإطار النقدي القوي اللازم لدعمه، لافتاً إلى أنّ تزايد متطلبات التمويل في مرحلة ما بعد الصراع يهدّد باستنزاف الاحتياطيات الأجنبية المتبقية أو زيادة الكتلة النقدية المتداولة، ما يمكن أن يضغط على سعر الصرف. وفي ما يخص سوق سندات اليوروبوندز، زادت أسعار سندات الدين الحكومية بما يقارب الضعف في العام 2024 حيث بلغت 12.75-13.65 سنت للدولار الواحد في نهاية كانون الأول مقابل 6.00-7.00 سنت للدولار في نهاية العام 2023، وذلك بفعل التحوّلات التي شهدها الربع الأخير من العام على الساحة الداخلية وفي منطقة الشرق الأوسط ووسط رهان بـأنّ يحدث ذلك تغييراً على صعيد الدينامية السياسية في الساحة الداخلية، بينما يقف لبنان على أعتاب فرصة لاستعادة العمل السياسي عبر انتخاب رئيس جديد في 9 كانون الثاني 2025 وتشكيل حكومة فعّالة تعبّد الطريق أمام تطبيق الإصلاحات الملحة وإعادة هيكلة الدين. وهذا ما دفع المصرف الاستثماري العالمي "غولدمن ساكس" إلى تحديد قيمة الاسترداد بـ25 سنت للدولار الواحد. وعلى صعيد سوق الأسهم، واصلت بورصة بيروت تحقيق المكاسب خلال العام 2024 في ظل استمرار عمليات التحوّط تجاه التطورات السلبية، وسعي المتعاملين لتجنّب أي اقتطاع على رساميلهم، علماً أنّ أسعار الأسهم مقوّمة بالدولار المحلي. في هذا السياق، قفز مؤشر الأسعار بنحو 25% في العام 2024، بدعم رئيسي من أسهم "سوليدير" والتي تشكل قيمتها الترسملية أكثر من ثلثي القيمة الترسملية للبورصة.
الأسواق
سوق النقد: كان العام 2024 شاهداً على سياسة مصرف لبنان في ضبط حجم النقد المتداول والحفاظ على الاستقرار النقدي، إذ بلغ حجم النقد المتداول خارج المركزي زهاء 56 ترليون ليرة منتصف كانون الأول 2024 مقابل 58 ترليون ليرة في نهاية العام 2023. وأقفل معدل الفائدة من يوم إلى يوم العام 2024 عند 35% مقابل 60% في نهاية العام 2023، علماً أن هذه الفائدة غير مرتبطة بحجم النقد المتداول بالليرة. أما المجاميع النقدية الصادرة عن مصرف لبنان والتي اعتمدت سعر صرف 89500 ل.ل. للدولار الواحد بدلاً من 15000 ل.ل. للدولار ابتداء من 8 شباط 2024 فقد أظهرت أنّ الودائع المصرفية المقيمة زادت بقيمة 4994 ترليون ليرة منذ نهاية العام 2023 حتى 19 كانون الأول 2024، بشكل رئيسي نتيجة ارتفاع الودائع المصرفية المقيمة بالعملات الأجنبية بقيمة 4980 ترليون ليرة بعد الأخذ بالحسبان تعديل سعر الصرف، بينما سجلت الودائع المصرفية المقيمة بالليرة ارتفاعاً قيمته 14 ترليون ليرة في ظل اتساع الودائع تحت الطلب بالليرة بمقدار 7 ترليون ليرة والودائع الادخارية بالليرة بقيمة 7 ترليون ليرة أيضاً. أما الكتلة النقدية بمفهومها الواسع (م4) فقد اتسعت حتى 19 كانون الأول 2024 بنحو 4983 ترليون ليرة، في ظل نمو حجم النقد المتداول خارج مصرف لبنان وتقلص محفظة سندات الخزينة المكتتبة من قبل القطاع غير المصرفي.
سوق القطع: ظل سعر صرف الليرة مقابل الدولار صامداً في السوق الموازية خلال العام 2024، حيث سجّل تحركات هامشية ضيّقة في محيط 89600-89700 على الرغم من الضغوطات النقدية الكبيرة التي شهدها الفصل الرابع من العام بفعل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان. أما احتياطيات مصرف لبنان السائلة بالعملات فقد وصلت إلى 10176 مليون دولار منتصف كانون الأول 2024، بزيادة مقدارها 855 مليون دولار منذ نهاية العام 2023، يضاف إليها ارتفاع قيمته 748 مليون دولار منذ نهاية تموز 2023 حتى نهاية كانون الأول 2023، ما أدى إلى تراكم زيادات في الاحتياطيات مقدارها 1603 مليون دولار منذ تاريخ تولي القيادة الجديدة في حاكمية مصرف لبنان. وقد تحقّق هذا الاستمرار في النمو خلال العام 2024 على الرغم من النزيف الذي تكبدّته احتياطيات مصرف لبنان السائلة بالعملات خلال شهري الحرب في تشرين الأول وتشرين الثاني 2024 بنحو 515 مليون دولار نتيجة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها المركزي من ناحية تسديد دفعات إضافية لكافة المستفيدين من التعميمين 158 و166. وقد حصل هذا الاستقرار النقدي والنمو في الاحتياطيات في ظل استمرار سياسة مصرف لبنان بعدم تمويل الدولة بالعملات والحفاظ على ما تبقى من الاحتياطيات من النقد الأجنبي وإعادة تكوينها، وضبط حجم النقد المتداول خارج مصرف لبنان، وفي حين سجّل ميزان المدفوعات فائضاً بنحو 8 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2024، في إشارة إلى أن الأموال الوافدة إلى لبنان تفوق الأموال الخارجة منه، ووسط شبه توازن في حسابات المالية العامة رغم احتمال تراجع وضع المالية العامة في لبنان بفعل عدوان أيلول. إلا أنّه في هذا الإطار، أشار البنك الدولي مؤخراً في تقريره "مرصد الاقتصاد اللبناني" إلى أنّ هذا الاستقرار النقدي لا يزال هشاً وغير مستدام، نظراً لغياب الإطار النقدي القوي اللازم لدعمه، إذ اعتمد على القيود المالية وقيود إنفاق مفروضة على حسابات المؤسسات العامة لدى مصرف لبنان، لافتاً إلى أنّ تزايد متطلبات التمويل في مرحلة ما بعد الصراع يهدّد باستنزاف الاحتياطيات الأجنبية المتبقية أو زيادة الكتلة النقدية المتداولة، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض استقرار سعر الصرف ويزيد من الضغوط التضخمية، مما يسلط الضوء على عدم استدامة النهج الحالي لتحقيق استقرار سعر الصرف.
سوق الأسهم: ظلت سوق الأسهم اللبنانية تستقطب اهتمام المتعاملين خلال العام 2024، إذ سجّلت زيادات لافتة في الأسعار للعام الرابع على التولي بنسبة 24.7%، بعد قفزات بنسبة 41.3% في العام 2023 و37.2% في العام 2022 و48.1% في العام 2021. ويأتي ذلك في إطار عمليات التحوّط تجاه التطورات السلبية، وفي ظل استمرار مساعي المتعاملين لتجنّب أي اقتطاع على رساميلهم، علماً أنّ أسعار الأسهم مقوّمة بالدولار المحلي. في هذا السياق، كسرت أسعار أسهم "سوليدير" ولأول مرة في التاريخ حاجز الـ100 دولار، إذ قفزت أسعار أسهم سوليدير "أ " بنسبة 34.7% خلال العام 2024 لتبلغ 120.00 دولار في نهاية كانون الأول. وزادت أسعار أسهم سوليدير "ب" بنسبة 32.9% إلى 119.50 دولار. نتيجة لذلك، تكون أسعار أسهم "سوليدير" قد زادت نحو 22 ضعفاً في المتوسط منذ بداية الأزمة، ذاك أن سعر تداول أسهم سوليدير "أ" و"ب" كان 5.45 دولار و5.55 دولار على التوالي في 17 تشرين الأول 2019. من جهة أخرى، سجّلت الأسهم المصرفية ارتفاعاً في أسعارها بنسبة 6.8% في المتوسط خلال العام 2024. وقد قادت إيصالات إيداع "بنك عوده" الأسعار صعوداً في البورصة في العام 2024، محقّقةً ارتفاعاً ملحوظا في أسعارها بلغت نسبته 111.7% لتصل الى 2.35 دولار، تلتها أسهم "بنك لبنان والمهجر العادية" (+78.6%) التي بلغ سعرها 6.25 دولار، وايصالات الإيداع العمومية العائدة لـ"بنك لبنان والمهجر" (+72.3% إلى 5.17 دولار)، وأسهم "بنك بيبلوس العادية" (+67.1% إلى 1.17 دولار)، وأسهم "بنك عوده العادية" (+5.5% إلى2.48 دولار). في المقابل، انخفضت أسعار اسهم "البنك اللبناني للتجارة التفضيلية فئة D" بنسبة 95.0% إلى 3.00 دولار، تلتها اسهم "بنك عوده التفضيلية فئة I" بنسبة -53.4% إلى 20.00 دولار، فأسهم "بنك بيروت التفضيلية فئة I" بنسبة -40.0% إلى 15.00 دولار، وأسهم "بنك بيبلوس التفضيلية فئة 2008" بنسبة -7.4% إلى 25.00 دولاراً، وأسهم "بنك بيمو العادية" (-4.0%) التي بلغ سعرها 1.20 دولار. أما في ما يخص الأسهم الصناعية، فقد ارتفع سعر سهم شركة "الإسمنت الأبيض اسمي" وسعر سهم شركة "هولسيم لبنان" بنسبة 89.2% و17.8% على التوالي بحيث بلغ الأول 41.63 دولار والثاني 70.10 دولار في نهاية العام 2024. وترافقت قفزات الأسعار الكبيرة في بورصة بيروت في العام 2023 مع ارتفاع في تقلّبيّة الأسعار. فهذه التقلّبية، التي تُـقاس بنسبة الفارق المعياري للأسعار/متوسط الأسعار، بلغت 10.3% في بورصة بيروت في العام 2023 مقابل تقلّبيّة نسبتها 8.3% في العام 2023. وجاءت الرسملة البورصية في سوق الأسهم اللبنانية على غـرار ارتفاع الأسعار في البورصة، بحيث زادت بنسبة 24.7% في العام 2024، وتحديداً من 20597 مليون دولار أميركي في نهاية كانون الأول 2023 الى 25693 مليون دولار في نهاية العام 2024. وبلغت القيمة الإجمالية لعمليات التداول في بورصة بيروت 525 مليون دولار في العام 2024 مقابل 581 مليون دولار في العام 2023، أي بتراجع نسبته 9.6%، علماً أن أسهم "سوليدير" استأثرت بحصة الأسد من النشاط (92.4%) تلتها الأسهم الصناعية (5.3%)، فالأسهم المصرفية (2.4%). ومن جرّاء ذلك، بلغ معدل الدوران الإجمالي في بورصة بيروت، والمقدَّر بحجم عمليات التداول السنوية/الرسملة البورصيّة، 2.0% في العام 2024 مقابل 2.8% في العام 2023.
سوق سندات اليوروبوند: كان العام 2024 ولا سيما الربع الأخير منه شاهداً على تسجيل قفزات لافتة في أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية والتي بلغت مستويات لم تشهد منذ ثلاث سنوات. إذ أقفلت أسعار سندات الدين الحكومية عند 12.75-13.65 سنت للدولار الواحد في نهاية كانون الأول 2024 بالمقارنة مع 6.00-7.00 سنت للدولار الواحد في نهاية كانون الأول 2023. ويأتي ذلك وسط إقبال لافت من قبل المتعاملين المؤسساتيين الأجانب والذين رأوا بارقة أمل في التغيير الذي يمكن ان يطرأ على المشهدين السياسي والاقتصادي في المدى المتوسط بعد التطورات المتسارعة التي شهدتها الساحة الداخلية ومنطقة الشرق الأوسط، ما من شأنه أن يفسح الطريق أمام تطبيق الإصلاحات الملحة التي طال انتظارها ويؤدي إلى إعادة هيكلة الدين، ناهيك عن أنّ بعض المتعاملين سعوا إلى إضافة سندات الدين اللبنانية إلى محافظهم من أجل تعزيز موقعهم التفاوضي مستقبلاً. في هذا السياق، أشار المصرف العالمي "غولدمن ساكس" في تقرير حديث له بأنّ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان والدعوة لعقد جلسة نيابية لانتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني 2025 قد زادا من اهتمام المستثمرين بسندات اليوروبوندز اللبنانية، لافتاً إلى أنّ استمرار ارتفاع أسعار سندات اليوروبوندز يبقى رهن قيمة الاسترداد المتوقعة بعد هيكلة الدين. ورأى "غولدمن ساكس" أن الاقتطاع المطلوب لتأمين استدامة الدين يمكن أن يكون في حدود 75% من الدين عند إجراء الهيكلة، ما يعني أنّ قيمة الاسترداد قد تصل إلى 25 سنت للدولار الواحد.
نبض