تونس تراهن على حل أزمة الفوسفات لإنعاش اقتصادها

أعاد الإضراب الذي نفذه عمال شركة فوسفات قفصة في منطقة الحوض المنجمي في أقاليم المظيلة وأم العرائس والمتلوي جنوب تونس هذا الأسبوع، النقاش حول هذا القطاع وأزمته المستمرة منذ ما يزيد على عقد من الزمن، رغم كونه واحداً من القطاعات التي يعول عليها الاقتصاد التونسي لتجاوز أزمته.
وقد أضرب عمال الشركة يومين بعد فشل جلسة تفاوض مع الطرف الحكومي عقدت قبل ساعات من الإضراب وتمت خلالها مناقشة مطالب عمالية من دون التوصل إلى اتفاق.
وترفع نقابة عمال شركة فوسفات قفصة مطالب مادية ومهنية على غرار منحة إنتاجية للعام 2023 وتوفير منحة اللباس للسنوات 2022 و2023 و2024 وإدماج زيادات في الأجور، فضلاً عن رصد حصص القروض الاجتماعية وفتح آفاق لأعوان الحراسة، وفق ما أكده لـ"النهار" الكاتب العام للفرع الجامعي للمناجم في قفصة يحيى الأكحل.
وقال: "إن هذا الإضراب جاء بعد تمسك الشركة برفض الاستجابة لمطالب العمال التي يرفعونها منذ فترة طويلة".
إضرابات متواصلة
هذا الإضراب يكشف حجم الأزمة المتنامية التي يعيشها القطاع الحيوي في تونس منذ أكثر من 10 سنوات.
وبعدما كانت تونس تُعدّ من كبار منتجي الفوسفات في العالم قبل 2011، أجبرت عام 2020 على توريده لسد حاجاتها في القطاع الزراعي، بما يعكس عمق الأزمة التي يتخبط فيها القطاع.
وتُعدّ منطقة الحوض في ولاية قفصة جنوب البلاد مصدر إنتاج الفوسفات في تونس، وتتشكل من أربعة مراكز أساسية هي المتلوي والرديف وأم العرايس والمظيلة، وكانت مسرحاً لاحتجاجات كبيرة عام 2008 إبان حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
ورغم الثروات الكبيرة التي تكتنزها، عانت منطقة الحوض المنجمي التهميش سنوات طويلة، وخرج سكانها للتظاهر في مناسبات عديدة.
ومنذ حوادث 2011 شلت حركة إنتاج الفوسفات بسبب الاحتجاجات والاعتصامات المطالبة بالتشغيل في الحوض المنجمي، والتي أغلقت الطريق أمام شاحنات نقل الفوسفات ومنعت وصولها إلى المغاسل.
وتوقفت الشركة عن العمل كليا في مناسبات عديدة ولفترات طويلة، ما كبّد القطاع خسائر مادية كبيرة.
وقُدّرت خسائر تونس من الفوسفات بنحو 183 مليون دولار في الفترة الممتدة بين 2012 و2017.
ويعتبر الفوسفات مصدراً للعملة الصعبة في البلاد وفق المحللة الاقتصادية إيمان الحامدي التي تقول لـ"النهار" إن "هذا القطاع حيوي لتونس ويدرّ عليها، إلى جانب السياحة وتحويلات التونسيين في الخارج، مداخيل بالعملة الصعبة تثري مخزونها وتجنبها اللجوء إلى الأسواق الدولية للاقتراض".
وتضيف أن "عائداته تمثل نحو 10 في المئة من مجمل إيرادات تونس من الصادرات، إلى جانب كونه يوفر نحو 30 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بل إنه المصدر الوحيد لتشغيل شبان المنطقة التي تعاني ككل المناطق الداخلية تهميشا وفقرا وارتفاعا في البطالة".
تراجع وتيرة الإنتاج
يواجه قطاع الفوسفات مشكلات منذ عام 2011 حالت دون استعادته عافيته، رغم كونه واحداً من القطاعات الحيوية التي يراهن عليها الاقتصاد التونسي.
وككل الشركات الحكومية التي تأثرت بالمتغيرات السياسية والاجتماعية بعد 2011، عانت شركة فوسفات قفصة الحكومية أزمة خانقة وصعوبات مالية بالجملة.
وتسير وتيرة إنتاج الفوسفات في تونس ببطء شديد منذ 2011، وهو ما أثر في مختلف القطاعات المرتبطة به، منها التصدير وصناعة الأسمدة.
وفي أكثر من مناسبة، دعا الرئيس قيس سعيد إلى عودة قطار إنتاج الفوسفات لمساعدة البلد على التخلي عن خيار اللجوء إلى الاستدانة الخارجية.
وتمتلك تونس رابع أكبر احتياط للفوسفات في العالم، يزيد على 800 مليون طن في منطقة الحوض المنجمي، وتصدّر إلى نحو 20 سوقاً.
وفي حين كان الإنتاج قبل عام 2011 يقدّر بنحو 8.2 ملايين طن، تراجع إلى أقل من أربعة ملايين طن حالياً.
وصناعة الفوسفات في تونس قديمة تعود إلى أكثر من سبعة عقود، ويملك البلد خبرة كبيرة في استخراج هذه المادة وتحويلها، وتعود حكايتها إلى فترة الاستعمار الفرنسي. وقد احتضنت مناجم الفوسفات حينها حركة النضال الوطني ضد المستعمر الفرنسي، وهو ما جعل منها تاريخياً واحدةً من المعاقل النقابية في البلد.
خطة إنعاش
في أيار (مايو) 2022 استأنفت تونس تصدير الفوسفات إلى البرازيل وتركيا وباكستان وإندونيسيا وفرنسا. وتأمل العودة إلى تحقيق أرقام ما قبل 2011 في إنتاج الفوسفات. وتعتزم السلطات التونسية ضخ استثمارات بقيمة تتجاوز 165 مليون دولار، من أجل رفع الإنتاجية في غضون 2028 إلى 8.5 ملايين طن.
وتلفت الحامدي إلى أنه رغم الإضراب الأخير لا تزال السلطات تتبنى خطة طموحة لإنتاج الفوسفات وإعادته إلى مستويات الإنتاج ما قبل الثورة.
وتوضح أن عودة الإنتاج في قطاع الفوسفات "سيساعد تونس على تجاوز أزمتها الاقتصادية، فهذه الثروة المهدورة يمكنها أن تدرّ مبالغ مهمة بالعملة الصعبة، وخصوصاً أن الفوسفات التونسي يتمتع بسمعة جيدة ويُعتبر من الأنواع التي يكثر عليها الطلب عالمياً".
ووفق تقديرات الخطة المتوسطة المدى، سيزيد معدل الإنتاج السنوي للفوسفات خلال الفترة الممتدة بين 2025 و2028 بمعدل 1.5 مليون طن سنوياً، مدفوعاً بتجديد آليات الاستخراج والنقل نحو مصانع التحويل والشروع في استغلال منجم جديد في منطقة أم الخشب في محافظة قفصة.