رسوم ترامب الجمركية الموعودة: هل تعيد تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي في 2025؟

رسوم ترامب الجمركية الموعودة: هل تعيد تشكيل ملامح الاقتصاد العالمي في 2025؟
حاويات جاهزة للنقل في ميناء بالتيمور، ماريلاند، بالولايات المتحدة
Smaller Bigger

مع إعلان دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية جديدة وشاملة بمجرد توليه الرئاسة الأميركية لولاية ثانية في كانون الثاني (يناير) 2025، يواجه العالم موجة جديدة من السياسات الحمائية ستنطلق من واشنطن وستترك أثراً كبيراً في الاقتصاد الأميركي والعالمي، فهذه السياسات من المتوقّع أن تطاول بلداناً مثل الصين وكندا والمكسيك، إضافة إلى شركاء تجاريين رئيسيين آخرين للولايات المتحدة.

يرى ترامب في هذه الرسوم الجمركية أداة متعددة الاستخدامات، فهي ليست فقط وسيلة للضغط في المفاوضات التجارية، بل هي أيضاً سبيل لإعادة توطين الصناعات داخل الولايات المتحدة وتعزيز إيرادات الخزينة بغرض تمويل التخفيضات الضريبية وزيادات النفقات الحكومية الموعودة من قبله. ومع ذلك، يتجاوز أثر هذه السياسات بكثير الأهداف التي يروّج لها ترامب، ويدور جدل واسع حول تكلفتها الحقيقية التي ستترتّب على المستهلكين الأميركيين والشركات الأميركية وغير الأميركية والنظام التجاري العالمي ككل.

على رغم تأكيدات ترامب المتكررة بأن الرسوم الجمركية التي يخطط لها "لن تكلف الأميركيين شيئاً"، تشير الأدلة الاقتصادية إلى العكس تماماً. تُفرَض الرسوم على السلع والمنتجات المستوردة، وكثيراً ما يمرّر المستوردون تكلفتها إلى المستهلكين النهائيين. مثلاً، خلال ولاية ترامب الأولى، فُرِضت رسوم بنسبة 50 في المئة على الغسالات المستوردة إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى رفع أسعارها بنسبة 12 في المئة، فتحمّل المستهلكون الأميركيون تكاليف إضافية بلغت حوالي 1.5 مليار دولار سنوياً. وتشير تقديرات "معهد بيترسون للاقتصاد الدولي" إلى أن الرسوم الجديدة من شأنها أن تكلف الأسرة الأميركية المتوسطة ما بين ألف و700 وثلاثة آلاف و900 دولار سنوياً، اعتماداً على فئات الدخل.

ومن المرجّح أن تؤدي الرسوم الجمركية الجديدة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج لدى المصانع الأميركية التي تعتمد على المواد الخام والمكونات المستوردة، ما سيرفع أسعار المنتجات النهائية ويزيد من معدلات التضخم. وعلى رغم أن ترامب يبرر الرسوم بأنها وسيلة لحماية الوظائف المحلية، تشير دراسات كثيرة إلى أن أثرها الإيجابي في التوظيف الصناعي محدود. لم تؤدِّ الرسوم التي فرضها على واردات الصلب عام 2018 إلى زيادة كبيرة في وظائف قطاع الصلب، وتسبّبت في ارتفاع التكاليف لدى شركات أميركية أخرى تعتمد على الصلب، ما أدى إلى خفض التوظيف في تلك القطاعات. وعلى رغم انتقادات ترامب المستمرة للعجز التجاري الأميركي، لم تؤدِّ الرسوم التي فرضها خلال ولايته الأولى إلى تقليصه، بل زاد العجز التجاري من 480 مليار دولار عام 2016 إلى 653 مليار دولار عام 2020، ويعزو اقتصاديون كثر هذا إلى أثر الرسوم في رفع قيمة الدولار إلى مستويات جعلت الصادرات الأميركية أقل تنافسية.

عالمياً، يشير من المتوقّع أن تؤدي الرسوم إلى خفض قيمة التجارة العالمية بأكثر من سبعة في المئة بحلول عام 2030، ويرجع ذلك جزئياً إلى شمول الرسوم قطاعات حيوية مثل الآلات، والإلكترونيات، والسيارات، والمواد الكيميائية. ومن المرجّح أن تتخذ الصين، التي تُعَد هدفاً رئيسياً لرسوم ترامب، خطوات مضادة مثل تخفيض قيمة عملتها لتعويض أثر الرسوم أو استخدام أدواتها الاقتصادية الأخرى مثل فرض قيود على تصدير المعادن النادرة أو إدراج الشركات الأميركية على "قائمة الجهات غير الموثوقة". وهي سبق أن استخدمت هذه التكتيكات خلال الحرب التجارية السابقة، ومن المتوقّع أن تصعِّد ردودها إذا استمر ترامب في نهجه التصعيدي.

ليست سياسات ترامب التجارية موجهة ضد الصين فقط، بل تطاول أيضاً حلفاء تقليديين للولايات المتحدة مثل كندا والمكسيك. يشكل هذان البلدان شريكين رئيسيين للولايات المتحدة بموجب اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (أوسمكا). وتشير تقديرات كثيرة إلى أن رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على المنتجات المستوردة من هذين البلدين ستؤدي إلى زيادة كبيرة في التكاليف لدى قطاعات أميركية مثل قطاع تصنيع السيارات، الذي يعتمد على منتجات من البلدين المجاورين. بالإضافة إلى ذلك، قد تضر الرسوم بالعلاقات الثنائية مع كندا والمكسيك، إذ وصفت الحكومة الكندية الرسوم بأنها انتهاك صريح لاتفاقية "أوسمكا"؛ أما في المكسيك، فقد تؤدي الرسوم إلى تفاقم التوترات السياسية، ولاسيما في ظل المساعي الأميركية إلى مكافحة تهريب الفنتانيل والهجرة غير الشرعية.

وتعتزم إدارة ترامب المقبلة فرض رسوم جمركية جديدة على واردات المنتجات الأوروبية، تصل إلى 20 في المئة، ما ينذر بتصعيد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن المرجّح أن تؤثر هذه الرسوم في شكل مباشر في قطاعات أوروبية، ولاسيما السيارات والصلب، ما يقلل من تنافسية المنتجات الأوروبية في السوق الأميركية، وأن تؤدي إلى انخفاض حجم الصادرات الأوروبية واضطراب في سلاسل الإمداد العالمية. في المقابل، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التفاوض مع واشنطن لتجنب التصعيد مع تنويع شراكاته التجارية وتعزيز التكامل الاقتصادي بين بلدانه الأعضاء.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/11/2025 6:15:00 AM
قذائف المزّة والعمليتان اللتان لم يفصل بينهما شهر تحمل رسائل تحذيرية إلى الشرع وحكومته، والرسالة الأبرز مفادها أن القصر الرئاسي تحت مرمى الصواريخ.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:25:00 AM
إنّها المرة الأولى التي تتهم المنظمة "حماس" وفصائل أخرى بارتكاب جرائم ضد الانسانية.
المشرق-العربي 12/11/2025 2:10:00 PM
شدد على ضرورة منح المحافظة حكماً ذاتياً داخلياً أو نوعاً من الإدارة الذاتية ضمن سوريا كوسيلة لحماية الأقليات وحقوقها.
اقتصاد وأعمال 12/11/2025 10:44:00 AM
تكمن أهمية هذا المشروع في أنه يحاول الموازنة بين 3 عوامل متناقضة: حاجات المودعين لاستعادة ودائعهم بالدولار الحقيقي، قدرة الدولة والمصارف على التمويل، وضبط الفجوة المالية الهائلة التي تستنزف الاقتصاد