تدهور قطاع السيارات في ألمانيا: أزمات متعددة وأفاق غامضة
تواجه ألمانيا، الرائدة تقليديًا في صناعة السيارات، أزمات متعددة تعصف بقطاعها الصناعي والاقتصادي. فالتوقعات تشير إلى تراجع عدد السيارات الكهربائية في البلاد بحلول عام 2030، إلى جانب أزمات في مناخ الأعمال وركود اقتصادي يضرب المراكز الصناعية التقليدية، ما يعكس تحديات كبرى أمام ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا.
تراجع مستهدفات السيارات الكهربائية
وفقًا لدراسة أعدتها شركة "ديلويت"، من المتوقع أن يصل عدد السيارات الكهربائية البحتة على الطرق الألمانية إلى 11.2 مليون فقط بحلول عام 2030، مقارنة بالمستهدف الأصلي البالغ 15 مليون سيارة، الذي حددته الحكومة الائتلافية المنهارة.
هذا التراجع يعكس ضعف السياسات الداعمة، مثل إلغاء حوافز شراء السيارات الكهربائية نهاية عام 2023 نتيجة المشكلات المالية، مما أدى إلى انخفاض حاد في المبيعات. كما أن تردد المستهلكين وضعف البنية التحتية للشحن يزيدان من التحديات.
هارالد بروف، رئيس قسم السيارات في "ديلويت"، أشار إلى أن "الظروف الإطارية الموثوقة ضرورية لتحفيز الانتقال نحو التنقل الكهربائي"، داعيًا الشركات للاستثمار في أبحاث البطاريات لخفض التكاليف وزيادة جاذبية السيارات الكهربائية.
تدهور مناخ الأعمال في قطاع السيارات
شهد قطاع السيارات تدهورًا كبيرًا في مناخ الأعمال، حيث انخفض مؤشر معهد "إيفو" الخاص بالقطاع إلى سالب 32.1 نقطة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، وهو أدنى مستوى منذ ذروة جائحة كورونا.
ضعف الطلب وتراكم الطلبيات الجديدة غير الكافية لاستغلال قدرات المصانع ساهم في هذا التراجع. كما تواجه الشركات تحديات كبرى من التحول إلى التنقل الكهربائي والمنافسة الشديدة مع الصين، التي تقدم سيارات كهربائية بأسعار تنافسية.
الأزمة الاقتصادية وتراجع الإنتاج الصناعي
الاقتصاد الألماني يعاني من ركود يضرب المراكز الصناعية الكبرى في غرب البلاد، مثل بافاريا وبادن-فورتمبرغ، حيث تعتمد الصناعات هناك بشكل كبير على الصادرات التي تأثرت بانخفاض الطلب العالمي.
كما أظهر تحليل لمعهد "إيفو" تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من هذا العام في ثماني ولايات غربية. في المقابل، شهدت الولايات الشرقية نموًا طفيفًا، مما يعكس تباينًا كبيرًا في الأداء الاقتصادي على مستوى الولايات.
خفض التوقعات الاقتصادية
خفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية توقعاتها لنمو الاقتصاد الألماني لعام 2025 إلى 0.7% فقط، بعد أن كانت تتوقع نموًا بنسبة 1%. كما توقعت نموًا محدودًا بنسبة 1.2% في 2026، وهو ما يعد مؤشرًا إضافيًا على معاناة الاقتصاد.
ضعف الطلب الأجنبي وارتفاع تكاليف التمويل والتحول نحو الإنتاج الصديق للبيئة أثر سلبًا على ثقة المستثمرين والمستهلكين. ورغم توقع نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.3% خلال نفس الفترة، فإن الاقتصاد الألماني يبدو عالقًا في دائرة من الركود الهيكلي.
أفق المستقبل
تعكس هذه الأزمات مجتمعة الحاجة إلى إعادة النظر في الاستراتيجيات الاقتصادية والسياسية لدعم القطاع الصناعي والانتقال السلس نحو الطاقة النظيفة. ومع تزايد التحديات، يبدو أن ألمانيا بحاجة إلى إصلاحات جذرية، خاصة في قطاع السيارات، للحفاظ على مكانتها كقوة اقتصادية وصناعية عالمية.
نبض