بعد تخطي سعر الدولار 50 جنيهاً.. إلى أين يتجه الاقتصاد المصري في 2025؟
بعد 4 أيام من إعلان مصطفى مدبولي رئيس الحكومة المصرية، أن سعر صرف الجنيه قد يشهد تقلبات في حدود 5 بالمائة خلال الفترة المقبلة، شهد الجنيه المصري في ختام تداولات الخميس تراجعاً بأكثر من 30 قرشاً ليتخطى سعر الدولار الواحد 50 جنيهاً، وسجّل الجنيه أدنى مستوى له منذ آذار (مارس) 2024 عندما كان سعر الدولار 30.82 جنيهاً، وذلك رغم تأكيد الحكومة المصرية عدم وجود خطط لتعويم جديد أو تخفيض كبير في قيمة الجنيه، فما تأثير تراجع العملة المحلية المصرية على القوى الشرائية للمستهلكين ومستويات التضخم وفاتورة الدين العام وإلى أين يتجه الاقتصاد المصري خلال عام 2025 المقبل؟.
وأكد مدبولي خلال تصريحات له يوم السبت 1 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أن الحكومة لن تكرر أخطاء الماضي، حين تسبب تثبيت سعر الصرف في اندلاع أزمات اقتصادية أجبرت البلاد على تعويم الجنيه وفقدانه 40 بالمائة من قيمته.
المضاربون ألفوا التجارة في العملة
يقول زكريا صلاح، الخبير المصرفي، لـ"النهار" إن تتعدد سياسات سعر الصرف التى تتبعها البنوك المركزية بين سياسة التثبيت والتعويم المرن والتعويم المُدار وقد أوصى صندوق النقد الدولي مصر باتباع سعر صرف مرن بما يسمح بتحديد السعر ارتفاعاً ونزولاً طبقاً لقوى العرض والطلب وللخروج من الأزمة التي عانت منها مصر على مدار أكثر من عامين من شح في موارد النقد الأجنبي وتحفيز الاستثمارات الأجنبية وقد كان لكبر حجم الالتزامات الخارجية المراد الوفاء بها خلال عام 2024 الأثر في خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ووصوله لأكثر من 50 جنيهاً للدولار الواحد وليس من شك فإن ذلك أدى أيضاً إلى تعزيز معدلات مرتفعة في مصر بفعل التضخم المستورد وكنتيجة لانخفاض قيمة الجنيه.
وأضاف صلاح أنه مع بدء انفراج الأزمة كنتيجة لاستثمارات رأس الحكمة وتدفق الموارد من النقد الاجنبي استقر سعر صرف الجنيه لفترة شهور ثم بعد ذلك ومع استمرار الأوضاع الخارجية واستمرار المخاطر الجيوسياسية وامتداد الحرب الإسرائيلية للبنان إلى جانب استمرارها في غزة ثم تصاعد الأوضاع في سوريا مؤخراً عزز ذلك من الشكوك لدى المتعاملين في سوق الصرف ورغبة منهم في عودة المضاربات والكسب السريع للأرباح حيث الف المضاربين التجارة في العملة ويريدون عودة السوق الموازية بأية طريقة لذلك تطلق الشائعات تارة او يتم الإعلان عن أسعار أعلى من السوق المصرفي تارة أخرى أملاً في عودة السوق السوداء وتحقيق الأرباح على حساب مقدرات الاقتصاد القومي.
خطة حكومية لوأد السوق السوداء
يستعرض الخبير المصرفي خطة الحكومة المصرية لمواجهة محاولات إحياء السوق السوداء، قائلاً إنه على الرغم من دفع المضاربين لاتجاه إحياء السوق السوداء للعملة من جديد، إلا أن اتخاذ الحكومة بعض الخطوات المهمة في إحياء الصناعات والسماح للعاملين بالخارج في استخدام تطبيق "انستاباي" الخاص بالتحويلات المالية في إجراء التحويلات مع استمرار تدفق تحويلات المصريين في الخارج وزيادة توافد السائحين سيكون لكل ذلك دور في إبطاء أو عدم عودة السوق السوداء بنفس ما حدث قبل برنامج الصندوق في سوق الصرف، وبالتالي من المتوقع حدوث استقرار في سعر الصرف أو انخفاضات محدودة جدا خلال هذه الفترة وحتى الربع الأول من عام 2025 ثم تبدأ انفراجه في موارد النقد الأجنبي مع تنفيذ خطط التخارج وغيرها من الخطط والحفاظ على سياسة سعر الصرف المرن.
تأثير خفض قيمة الجنيه على المصريين
وليس من شك أن انخفاضات قيمة الجنيه تؤثر على القوة الشرائية لدى المواطنين بفعل تحفيز معدلات عالية للتضخم نتيجة اعتماد مصر على الواردات بصورة تفوق التصنيع والتصدير وليس من شرط ان يؤدى تراجع العملة إلى تخفيض التصنيف الائتماني؛ لأن الأصل في تخفيض قيمة العملة عند حدوث عجز في موازين المدفوعات هو تحفيز الصادرات وجذب الاستثمارات وجذب عدد اكبر من السائحين وبالتالي يتحسن ميزان المدفوعات وتتحسن الموارد من النقد الأجنبي وبالتالي تصبح هناك فوائض قادرة علي سداد الالتزامات بما يمكن أن يؤدي إلى تحسين التصنيف الائتماني، كما أنه ليس من المتوقع أن تصل معدلات الفائدة في مصر لسيناريو معدلات الفائدة في تركيا نظراً لانعكاسات خفض سعر الفائدة على الدولار سيكون له تأثير إيجابي على خفض أسعار العائد بداية من الربع الثاني لعام 2025 هذا من ناحية ومن ناحية أخرى الاتجاه إلى التصنيع المحلي والتخارج من بعض الاستثمارات سيؤدى إلى توقير قدر من الموارد التي يمكن أن تعزز من عدم الاتجاه إلى رفع سعر الفائدة.
مصر وصندوق النقد الدولي
يذكر أن مصر تسعى للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 1.2 مليار دولار كجزء من برنامج قرض مدته 46 شهرًا تمت الموافقة عليه في 2022، وزيدت قيمته إلى 8 مليارات دولار في السادس من آذار (مارس) الماضي، وبموجب الاتفاقية تعهدت مصر بالسماح لعوامل العرض والطلب بتحديد قيمة العملة، حينها ارتفع سعر الدولار من نحو 31 جنيهاً إلى 49.53 جنيهاً.
وأظهر تقرير صندوق النقد الدولي في مراجعته الرابعة لبرنامج قرض الصندوق الممدد أن مصر نفذت إصلاحات أساسية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، بما في ذلك توحيد سعر الصرف الذي سهل عمليات الاستيراد، في ظل التزام البنك المركزي المصري بنظام صرف مرن.
وتجدر الإشارة أن الكويت جددت وديعة بقيمة 2 مليار دولار لدى البنك المركزي المصري، لمدة عام واحد، وفقًا للبيانات الصادرة عن تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد المصري.
وكان أول اتفاق للحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016، بموجبة تحصل مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار، مقابل البدء في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، وعليه أقرّت الحكومة المصرية تعويماً لسعر صرف الجنيه؛ لمواجهة السوق السوداء التي وصل سعر الدولار لديها إلى 22 جنيهاً حينها مقارنة مع 8.8 جنيهات في السوق الرسمية، وعقب تطبيق القرار استقر السعر الرسمي للدولار عند متوسط 17 جنيهاً، ثم صعد الجنيه إلى متوسط 15.7 جنيهاً للدولار حتى مطلع 2022، ثم في تشرين الأول (أكتوبر) 2022 أعلن البنك المركزي تحريك سعر الجنيه ليهبط لمستوى 19.3 جنيهاً لكل دولار، وبنهاية الشهر، نفذت مصر تحريكاً جديداً لسعر صرف الجنيه، ليبلغ 24.3 جنيهاً لكل دولار، وهو السعر الذي أنهت به مصر عام 2022، وخلال العام الماضي 2023 استقر سعر صرف الدولار عند 31 جنيهاً، بينما شهدت السوق الموازية قفزات متتالية بدءاً من 40 جنيهاً لكل دولار واحد، وصولاً إلى 70 جنيهاً حتى منتصف شباط (فبراير) الماضي.
موقف مصر من الديون في 2025
تشير بيانات صندوق النقد الدولي إلى أن مصر مُلزمة بسداد 933 مليون دولار للصندوق في النصف الثاني من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، وهي مدفوعات مرتبطة بقروض سابقة.
وكشفت بيانات رسمية حديثة عن أن قيمة الأقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر خلال عام 2025 تبلغ نحو 22.4 مليار دولار.
ووفق بيانات المركزي فقد تراجع الدين الخارجي طويل الأجل إلى 126.8 مليار دولار بنهاية حزيران (يونيو) 2024 في مقابل 138.551 مليار دولار بنهاية كانون الأول (ديسمبر) 2023، فيما سجلت الديون قصيرة الأجل 26.24 مليار دولار في مقابل 29.482 مليار دولار.
إيرادات قناة السويس
توقع البنك الدولي في تقرير له نشر خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، انخفاضاً في إيرادات قناة السويس لنحو النصف خلال العام المالي الجاري (المنتهي في 30 حزيران 2025) لتصل إلى 4.8 مليار دولار مقارنة بإيرادات بلغت 8.8 مليار دولار مسجلة خلال العام المالي الماضي.
وصرح مصطفى مدبولي رئيس الوزراء المصري، بأن إيرادات قناة السويس تراجعت بنحو 60% خلال أول 8 أشهر من العام الجاري على أساس سنوي؛ جراء اضطرابات البحر الأحمر على إثر شن جماعة الحوثي هجمات على سفن الشحن العالمية للضغط لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، ما أجبرها على تغيير مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
توقعات سعر الدولار مقابل الجنية خلال 2025/2026
يتوقع جيمس سوانستون، الخبير الاقتصادي لدى كابيتال إيكونوميكس لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أنه خلال العامين المقبلين 2025 و2026 سينخفض سعر الجنيه أكثر ليكون سعر الدولار عند 55 و60 جنيهاً على التوالي.
ويتفق هاني جنينة، المحلل الاقتصادي المصري الشهير والمحاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، مع توقعات سوانستون، مؤكداً استمرار عملية تصحيح سعر الجنيه المصري حتى عام 2026، حينها سيستقر سعر الدولار مقابل الجنيه عند نحو 60 جنيهاً، بما يتماشى مع تعادل القوة الشرائية على المدى الطويل.
توقعات التضخم في مصر خلال 2025
وفيما يتعلق بالتضخم بمصر، توقع جنينة أن يواصل التضخم ارتفاعه خلال السنوات 2024 و2025 و2026، بسبب عوامل عدة أبرزها التعديل المستمر لأسعار الطاقة المحددة إداريًا وفقًا لاتفاق القرض بين مصر وصندوق النقد الدولي المبرم في عام 2022، وأيضًا تأثير الاضطرابات السياسية في المنطقة على أسعار الشحن وتكلفة التأمين، بجانب أسعار النفط المرتفعة، وفق تقرير نشر في تموز (يوليو) 2024.
ويقول جنينة إن معدلات الفائدة التي يقدمها بنكا الأهلي ومصر (أكبر بنكان محليان) حاليًا يجب أن تكون مؤشراً دقيقاً لمعدلات التضخم المتوقعة في أعوام 2024 و2025 و2026، حيث يبلغ العائد على الشهادة لمدة سنة 20%، ويبلغ العائد على الشهادة لمدة سنتين 25%، والعائد على الشهادة لمدة ثلاث سنوات يصل إلى 30 بالمائة، وإذا افترضنا أن العائد الحقيقي في هيكل الفائدة المذكور هو 2% سنويًا، فإن معدلات التضخم المتوقعة ستكون نحو 28 بالمائة عام 2024، و23 بالمائة عام 2025، و18 بالمائة عام 2026.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن معدلات التضخم السنوية هذه تعني أن معدل التضخم التراكمي على مدى السنوات 2024، 2025، و2026 سيكون تقريبًا 80%، لذلك يجب أن ينعكس الفارق في التضخم (بنحو 70%) في صورة تراجع في قيمة الجنيه على المدى المتوسط للحفاظ على القدرة التنافسية الخارجية لمصر، على حد قوله.
رؤية المؤسسات الدولية لنمو الاقتصاد المصري 2025
يتوقع البنك الدولي أن يبدأ النمو في التعافي التدريجي، من نحو 2.5 بالمائة في السنة المالية 2024 (يوليو/تموز 2023-يونيو/حزيران 2024)، إلى 3.5 بالمائة و4.2 بالمائة في السنتين الماليتين 2025 و2026 على التوالي، مدفوعا بتأثيرات فترة الأساس المواتية، فضلا عن الاستثمارات، لا سيما تلك الممولة من اتفاق الإمارات.
وتوقعت كريستالينا غورغييفا مديرة عام صندوق النقد الدولي، نمو الاقتصاد المصري بمعدل 4.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام المالي الجاري بدعم من الإجراءات الإصلاحية التي نفذتها الحكومة، كما رجّحت نمو اقتصاد مصر إلى 5% على المدى المتوسط.
فيتش
وتشير توقعات وكالة فيتش الأميركية للتصنيف الائتماني في أحدث تقرير لها إلى ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 4% في السنة المالية 2025 بفضل تعزيز الثقة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج والاستثمار المباشر الأجنبي، كما رجّحت تسارع نمو اقتصاد مصر إلى 5.3% خلال السنة المالية 2026.
ورفعت فيتش تصنيف مصر الائتماني من (B-) إلى (B) مع نظرة مستقبلية مستقرة بدعم زيادة موارد النقد الأجنبي أهمها صفقة رأس الحكمة واتفاق صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى سير مصر في إجراءات الإصلاح الاقتصادي خاصة مرونة سعر الصرف بشكل أكثر ديمومة حسب وصفها.
ستاندر آند بورز
توقعت الوكالة انتعاش الاقتصاد المصري إلى 4.2% في الفترة من 2025-2027، بدعم من تعديل سعر الصرف وتخفيف أسعار الفائدة، بالإضافة إلى نمو موارد مصر من السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج والاستثمار المباشر.
كانت ستاندر آند بورز أبقت قبل شهر على التصنيف الائتماني لمصر دون تغيير عند (B-) مع نظرة مستقبلية إيجابية.
البنك الأوروبي لإعادة الإعمار
رفع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار توقعاته لنمو اقتصاد مصر على أساس عام ميلادي (من كانون الثاني إلى كانون الأول) خلال العام المقبل 2025 بنسبة 0.1% إلى 4.5% من 4.4%، وفق التقرير، أما على أساس عام مالي (من 30 حزيران 2024 إلى 1 تموز 2025) أبقى البنك على توقعات معدل نمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الجاري 2024-2025 عند 4% دون تغير.
نبض