الأزمة الاقتصادية في فرنسا: بين القلق من أزمة ديون يونانية والإصلاحات المنتظرة

اقتصاد وأعمال 08-12-2024 | 07:02

الأزمة الاقتصادية في فرنسا: بين القلق من أزمة ديون يونانية والإصلاحات المنتظرة

فرنسا تواجه تحديات مالية وسياسية معقدة تثير قلق الأسواق، لكنها لا تزال تحتفظ بمرونة اقتصادية وقدرة على جذب المستثمرين، مع الحاجة إلى إصلاحات جذرية لاستعادة الاستقرار المالي.
الأزمة الاقتصادية في فرنسا: بين القلق من أزمة ديون يونانية والإصلاحات المنتظرة
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
Smaller Bigger

تواجه فرنسا تحديات اقتصادية معقدة تُثير قلق المستثمرين بشأن قدرتها على السيطرة على عجز الميزانية، وهو ما دفع البعض إلى التساؤل عما إذا كانت باريس قد تواجه أزمة ديون مشابهة لأزمة اليونان. فبحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، تجاوزت تكاليف الاقتراض الفرنسية نظيراتها اليونانية، مع وصول العائد على السندات الحكومية الفرنسية لعشر سنوات إلى نحو 3%. ورغم أن هذا المعدل أقل بكثير من مستويات أزمة اليونان (16% في ذروتها)، إلا أن الشلل السياسي وأوضاع المالية العامة المتدهورة أثار قلق الأسواق، خاصة مع العجز العام المتوقع أن يبلغ 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

 

مقارنات مع أزمة اليونان
يؤكد خبراء أن الوضع الفرنسي مختلف جذريًا عن تجربة اليونان، فمن حيث الدين العام الفرنسي بلغ 110% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ180% لدى اليونان خلال أزمتها. أما العجز في الميزانية، فمستهدف بنسبة 4.9%، بعيدًا عن عجز اليونان البالغ 15.4% فيما القدرة على الاقتراض في فرنسا هي بمعدلات فائدة معقولة بين 3-4%، ما يضمن استمرارها في الوصول إلى أسواق الدين. كما أن الاقتصاد الفرنسي أكثر قوة وتنوعًا من نظيره اليوناني، مع قدرة باريس على الاعتماد على ثقلها السياسي والاقتصادي في الاتحاد الأوروبي.

 

تعاني حكومة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه من صعوبة تمرير الميزانية بسبب غياب الأغلبية البرلمانية، مما يضطرها للتفاوض مع أحزاب المعارضة، مثل حزب التجمع الوطني والجبهة الشعبية اليسارية. كما أن خيارات بارنييه لتحقيق خفض العجز من 6% إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي تواجه مقاومة شعبية، ما قد يدفعه للجوء إلى المادة 49.3 لتمرير الميزانية دون تصويت برلماني".

 

في هذا الإطار شرح الخبير الاقتصادي جوزيف عازار، ومقرّه فرسنا، في حديثه لموقع "النهار"، أنّه "بعد حجب الثقة عن حكومة بارنييه، تواجه فرنسا وضعًا سياسيًا واقتصاديًا معقدًا يؤثر مباشرةً على إعداد ميزانية عام 2025.

 

وأكدت وكالة "موديز" في تصريح حاد على تفاقم المأزق السياسي، مما يقلل من احتمال السيطرة على العجز العام، الذي من المتوقع أن يصل إلى 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام مقارنةً بـ 5.5% في عام 2024. ومع ذلك، وبالرغم من هذه المخاوف، تُظهر الأسواق المالية قدرة مذهلة على الصمود. فأسعار الفائدة على السندات الفرنسية لمدة 10 سنوات، على الرغم من ارتفاعها الطفيف، لا تشير إلى حالة من الذعر، ويواصل المستثمرون اعتبار الدين الفرنسي استثمارًا جذابًا بسبب العائد المرتفع الذي يعتبر آمنًا".

 

الإفراط في الإنفاق والتخفيضات الضريبية
يشير تقرير ذا سبيكتاتور إلى أن التخفيضات الضريبية غير الممولة خلال ولاية الرئيس إيمانويل ماكرون أسهمت في تدهور المالية العامة. شملت هذه التخفيضات خفض معدل ضريبة الشركات من 33% إلى 25% وإلغاء "ضريبة التضامن" على الثروة، ما قلّص العائدات الضريبية رغم بقاء الإنفاق العام عند أعلى مستوى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

 

وهناك ثلاث أسباب تفسر هذا التوازن الهش، برأي عازار، أولاً، رغم أن تكلفة الانقسام السياسي زادت من أعباء الفائدة بحوالي 15 إلى 16 مليار يورو سنويًا، فإنها تظل محدودة بفضل احتمالية إجراء مفاوضات جديدة تهدف إلى وضع ميزانية قابلة للتطبيق، مع محاولة تجاوز الخلافات كما اقترح بوريس فالود من خلال "اتفاق عدم الحجب". ثانيًا، تقدم السياسة النقدية الأوروبية سياقًا أكثر إيجابية، حيث استقرت معدلات التضخم عند حوالي 2%، مما أتاح للبنك المركزي الأوروبي التنبؤ بانخفاض كبير في معدلات الفائدة الرئيسية، مما يخفف من تكلفة الاقتراض لدول مثل فرنسا. وأخيرًا، في ظل انخفاض عام لمعدلات الفائدة، تتميز الديون الفرنسية بعائد جذاب يجذب طلبًا يفوق العرض بشكل كبير، كما ظهر في آخر إصدار للسندات من قبل "وكالة الخزانة الفرنسية.

 

 

ومع هذا التوقف الظاهري، تظل التحديات قائمة. فالاضطراب السياسي يضعف مصداقية فرنسا في نظر وكالات التصنيف والمستثمرين المؤسسيين، بحسب عازار الذي ذكّر أنّه "أعربت كل من "فيتش" و"إنفيسكو" عن قلقهما بشأن التوجه السياسي للبلاد، مؤكدتين الحاجة الملحة إلى استراتيجية واضحة لاستعادة الثقة. ويتعين على أي حكومة مستقبلية تحقيق توازن بين خفض النفقات وزيادة الإيرادات الضريبية لتجنب تدهور التوقعات المالية وضمان ميزانية واقعية لعام 2025. ومن دون اتخاذ إجراءات حاسمة، قد يتآكل الدعم الحالي من الدائنين، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.

 

في المحصّلة، فرنسا ليست في خطر فوري يهدد بانهيار اقتصادي، لكنها بحاجة إلى تحرك سريع وإجراءات صارمة للحفاظ على استقرارها المالي.، كالإصلاحات المالية، خاصة في نظام التقاعد والإنفاق الاجتماعي. سيظل نجاح باريس في تجاوز هذه التحديات مرتبطًا بقدرتها على تنفيذ إصلاحات حقيقية ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية التي تعصف بها.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/26/2025 4:54:00 PM
تضمنت رسائل الجماعة في البداية "تهديدات للعلويين بغض النظر عن جنسهم وأعمارهم"
كتاب النهار 12/26/2025 5:20:00 AM
ظل التعايش قائماً على وسائل التواصل الاجتماعي حتى نشر أحد المعلمين في مدرسة طرابلسية فيديو لطفلة من عائلة مسلمة، تقول فيه إنها لا تحتفل بـ"الكريسماس"، لأنه عيد للكفار، فانقلب التعايش فجأة إلى حرب استخدمت فيها كل مفردات التكفير والشيطنة.
اقتصاد وأعمال 12/26/2025 5:12:00 AM
أسعار الذهب عند مستوى قياسيّ جديد!
اقتصاد وأعمال 12/26/2025 4:10:00 PM
تبدو المصارف اللبنانية، وكأنها تنتقل قسراً من نموذج الانتشار الواسع والاعتماد على الرساميل المتدفقة، إلى نموذج مصغر يعتمد على تقليص التكلفة وتقديم خدمات محدودة