علاقة قوية لا يرتاح إليها الغرب: مصر وروسيا وبينهما أميركا!

شمال إفريقيا 24-10-2025 | 05:51

علاقة قوية لا يرتاح إليها الغرب: مصر وروسيا وبينهما أميركا!

روسيا من شركاء مصر الكبار، سياًسياً واقتصادياً وعسكرياً، في شراكة شاملة تقوم على المصالح المتبادلة.
علاقة قوية لا يرتاح إليها الغرب: مصر وروسيا وبينهما أميركا!
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والمصر عبدالفتاح السيسي (أ ف ب)
Smaller Bigger

تتسم العلاقات بين مصر وروسيا بـ"طبيعة استراتيجية"، إذ تنظر القاهرة إلى موسكو بصفتها حليفاً قوياً، بينما تعتبر موسكو القاهرة "مركزاً مهماً لصناعة القرار" في محيطها الإقليمي. مع ذلك، تتفاوت قوة هذه العلاقات، صعوداً وهبوطاً، من عهد إلى عهد، بين مد وجزر، لكنها تتقدم للأمام. 

روسيا من شركاء مصر الكبار، سياًسياً واقتصادياً وعسكرياً، في شراكة شاملة تقوم على المصالح المتبادلة، في إطار سياسة خارجية مصرية تعتمد على تنويع الخيارات، في حين تكثف روسيا جهودها لتوثيق التعاون مع الشرق الأوسط وأفريقيا ببلورة رؤية متكاملة تكون مصر حجر الزاوية في تنفيذها، نظراً إلى الإرث المشترك من التعاون المثمر.

ساعدت موسكو القاهرة في تسليح الجيش المصري وبناء السد العالي ومشروعات كبرى في حقبة جمال عبدالناصر، لكن الصداقة الاستراتيجية تحولت إلى عداء مستحكم في عصر أنور السادات، ثم عادت إلى النمو في عصر حسني مبارك، قبل أن يصيبها "التوجس" تحت حكم "الإخوان" بمصر. ثم ساندت موسكو القاهرة عقب إطاحة حكم الجماعة التي تصنفها "إرهابية"، ومدت لها يد المساعدة عسكرياً وسياسياً في عهد عبدالفتاح السيسي. وأصبحت مصر حالياً الشريك التجاري الأول لروسيا أفريقياً، تستحوذ على 40% من تجارتها مع القارة، بنحو 8 مليارات دولار. 

تعمل 467 شركة روسية بمصر، وهناك منطقة صناعية روسية في منطقة قناة السويس باستثمارات 7 مليارات دولار، في صناعات السيارات والأدوية والمنسوجات والإلكترونيات. كما تقيم روسيا أول محطة نووية تضم أربعة مفاعلات لإنتاج الكهرباء في الضبعة، ما يومئ لاحتمالات تعاون أوسع يحرّك عقود السلاح، إضافة إلى أن مصر إحدى أكبر مقاصد السياح الروس. وهناك تعاون في النفط والغاز والحاصلات الزراعية والثقافة. كما تتفاوض القاهرة على إقامة منطقة تجارة حرة مع "الاتحاد الأوراسي" بزعامة موسكو.

 

صورة من الأرشيف للسد العالي الذي موله السوفيات في أسوان المصرية (رويترز)
صورة من الأرشيف للسد العالي الذي موله السوفيات في أسوان المصرية (رويترز)

 

تحاول الدولتان تجاوز إرث حكم السادات الذي خلق شكوكاً لدى روسيا - لا تزال ظلالها ماثلة - إزاء مضي القاهرة في تعاونها إلى المدى الذي تطمح إليه موسكو، لاعتقادها أن علاقاتها بمصر مرتبطة بترمومتر علاقات القاهرة بواشنطن، وأن الأولى لا تلجأ إلى موسكو إلا عندما تتعقد علاقاتها بالثانية. في الوقت نفسه، لن تكون القاهرة مسرورةً لو زودت روسيا إثيوبيا طائرات "سوخوي-35" لحماية "سد النهضة"!

السياسة فن رفيع يحتاجُ الى بصيرة وخبرة وقراءة صائبة لمستجدات أطراف النظام العالمي وحركته، وسط مناخ يعجّ بالصراعات والأزمات والأخطار، من ثمّ تتقدم علاقات مصر وروسيا، رغم الضغوط الغربية لمنع تقاربهما، ارتباطاً بالحرب فى أوكرانيا، إذ تتزايد حاجة الدب الروسي إلى شركاء موثوقين، إقليمياً وعالمياً. من بين هؤلاء الشركاء دول عربية، كمصر والسعودية والإمارات وقطر وغيرها، ما يفتح أفقاً أمام هذه الدول في عالم يسعى إلى تعدد القطب، ويناور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأوراقه لكن المقاربات القديمة (وإن كانت صحيحة في وقتها) لم تعد كافية، مع تغير موازين القوى.

روسيا لاعب دولي أدى أدواراً كبرى بالإقليم، من بوابات سوريا وليبيا والسودان والساحل والصحراء والقرن الأفريقي وغيرها من البؤر المشتعلة. وتخضع سياساتها للغة المصالح وحدها، فإذا وجدت أمامها فرصة، فلن تتردد في اقتناصها لكن بحذر اعتاده سيد الكرملين. وفي هذا السياق، يمكن فهم رغبة روسيا في تعميق علاقاتها مع مصر، مع أن موسكو تشعر أحياناً بشيء من الضجر الصامت، فما راهنت عليه من أدوار مصرية لا يأتي دائماً على هواها في ملفات عدة. وكان مقرراً أن يلتقي الرئيسان الروسي والمصري على هامش القمة الروسية - العربية بموسكو، قبل أن يبادر بوتين إلى تأجيل القمة بحجة إتاحة الفرصة للسلام بغزة، ما عكس دعماً روسياً لمساعي السلام وجهود الوسطاء، ولاسيما منهم مصر، وتأييداً لـ "قمة السلام بشرم الشيخ". 

 

ساعدت موسكو القاهرة في تسليح الجيش المصري وبناء السد العالي ومشروعات كبرى في حقبة جمال عبدالناصر، لكن الصداقة الاستراتيجية تحولت إلى عداء مستحكم في عصر أنور السادات

 

توطيد العلاقات بين مصر والدول العربية من ناحية وروسيا أو الصين من ناحية أخرى، يستهوي الأنظمة العربية التي كانت – تقليدياً - تحت المظلة الأميركية، بعدما خذلها القطب الأميركي مرة تلو أخرى. وما كان هذا ليحدث لولا تراجع فاعلية أدوات الهيمنة الأميركية، فوجدت الأنظمة العربية نفسها قادرة على بناء تحالفات خارج الإطار الغربي، من دون أن تصل إلى حد التناقض مع واشنطن، فأخذت تنفتح على بكين وموسكو - مثل انضمام مصر والإمارات إلى منظمة "بريكس"، لكن ذلك يشير إلى خطر لا يمكن إغفاله: فهذه الدول ربما تصبح "ساحة صراع" بين أميركا والصين وروسيا. 

بالطبع، لن تسكت الولايات المتحدة، وإذا كان الافتراض أن قوتها تراجعت، فهذا لا يعني أنها غير قادرة على المبادرة والتأثير في مسارات العلاقات الدولية، إنما تمتلك خيارات تمكنها من تحقيق أهدافها، وفقاً لظروف لم تكن تحتاج إلى توافرها سابقاً. فهي ما زالت تتحكم بكثير من خيوط اللعبة، وهي قادرة على أن تكون عائقاً – إن أرادت - بين أي طرفين، حتى لو كانا بحجم روسيا ومصر، وهذا يدركه الجانبان ويناوران لتجاوزه!

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/23/2025 5:18:00 PM
المدوّن الإسرائيلي: يجب أن أريكم كيف تبدو سوريا في عام 2025
سياسة 10/23/2025 8:30:00 PM
اعتداء إسرائيلي جديد على جنوب لبنان...
اقتصاد وأعمال 10/22/2025 3:51:00 PM
لا يمكن اعتبار هذا التراجع "انهيارًا" أو حتى "تصحيحًا"، نظرًا لارتفاع الأسعار الكبير. لا تزال المعادن تحقق أرباحًا جيدة هذا العام، حتى بعد التراجعات الأخيرة
لبنان 10/23/2025 12:59:00 PM
غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف منطقة البقاع