إصلاحات ودور مشروط… أين السلطة الفلسطينية في خطط ما بعد حرب غزة؟

تُعدّ مرحلة ما بعد حرب غزة، بخرائطها الجديدة ودمارها الهائل، لحظة حاسمة تضع القضية الفلسطينية على مفترق طرق. فبينما يطالب المجتمع الدولي – بقيادة أميركية وأوروبية – بـ "إصلاحات" جذرية في هيكل السلطة الفلسطينية، تسعى السلطة إلى انتزاع اعتراف إقليمي ودولي بها كـ "سلطة دولة" بدلاً من "سلطة مناطق محتلة".
تكمن الإشكالية هنا: هل ستكون السلطة الفلسطينية هي القاطرة نحو الدولة الفلسطينية المشتركة بدعم من الدول العربية، أم أنها ستجد نفسها مجرد "صندوق بريد" لتنفيذ شروط دولية، وربما يتم استبعادها أمنياً وإدارياً من قطاع غزة في المدى القريب؟
بين الطموح إلى السيادة والرضوخ للشروط تحاول السلطة الفلسطينية رسم دورها في خطط ما بعد الحرب.
الحاضنة العربية: مشروع الكيان المشترك مقابل الاشتراطات الدولية
يؤكد الكاتب والباحث في مركز "تقدم للسياسات" أمير مخول أن السلطة الفلسطينية لديها استعداد للتأقلم لتصبح "سلطة دولة"، لكنه يشدد على أن مسيرة مستقبل فلسطين لابد أن تسير عبر البُعد العربي والحاضنة العربية.
يعتبر مخول، أن المحور المصري-السعودي، المدعوم إقليمياً، هو الأكثر حزماً وقوة، لأن مشروعه الأساسي هو الدولة الفلسطينية والكيانية المشتركة بين الضفة والقطاع تحت حكم واحد وسيادي.
في المقابل، يرى مخول أن "الإصلاحات" التي يفرضها المجتمع الدولي هي في جوهرها "اشتراطات سياسية" تحمل بُعداً استعمارياً وتهدف إلى "هندسة ثقافية وذهنية" للشعب الفلسطيني، مثل تغيير المناهج.
ويشير إلى أن القوة الحالية تكمن في الموقف العربي الذي يقود حراكاً عالمياً ويضع إسرائيل في "عزلة خانقة"، مؤكداً أن مشروع إعادة الإعمار والتمويل سيكون عربياً ودولياً.
في المدى القريب... استبعاد أمني وإداري للسلطة في غزة
فيما يخص الدور العملي في قطاع غزة، أستاذ النزاعات الإقليمية والخبير في الشؤون الإسرائيلية علي الأعور، يستبعد أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة ما بعد الحرب في المرحلة الأولى.
ستتولى قوات عربية ودولية إدارة المرحلة القادمة بعد تطبيق المرحلة الأولى من خطة التهدئة (تبادل الأسرى والانسحاب الجزئي)، وقد يستمر هذا التواجد الإقليمي/الدولي لسنة أو سنتين أو أكثر.
في المرحلة الثانية، وبحسب الأعور أيضاً، سيكون الدور المصري مركزياً في إدارة الأمن. سيشمل ذلك ضبط أسلحة حركة حماس الثقيلة (منظومة الصواريخ)، بينما ستبقى الأسلحة الفردية للمقاتلين.
ولن يكون هناك تواجد لضباط السلطة الفلسطينية من الرتب العليا. بدلاً من ذلك، سيكون هناك إشراف مصري كامل على جهاز الشرطة، مع احتمال تدريب شباب من داخل غزة لشرطة محلية بأعداد محدودة، بالتالي، لن يكون للسلطة تواجد أمني في غزة لمدة لا تقل عن سنة قادمة.
شروط الإصلاحات الكبرى: من الحكم إلى المناهج
ويؤكد الأعور أن الشروط المطلوبة من السلطة الفلسطينية واسعة ومتعددة المستويات:
الإصلاحات الإدارية: شروط تتعلق بأجهزة الحكم ومكافحة الفساد.
تغيير المناهج: الشروط الأكثر حساسية تتعلق بـ تغيير المناهج الفلسطينية في المدارس والجامعات لتعزيز ثقافة الديموقراطية والسلام واحترام الآخر، أي الاعتراف بإسرائيل ووجودها.
كما تشمل تغييرات في كتب التربية الإسلامية تتعلق بـ "الجهاد والمقاومة".
تأثير داخلي: يرى الأعور أن هذه الاشتراطات ستؤثر سلباً على السلطة في الشارع الفلسطيني، إذ سينظر إليها على أنها طرف يذعن للشروط الأميركية والأوروبية.
ومع ذلك، يعتقد أن هذه التغييرات ستجسد في الكتب المدرسية أمام الغرب، لكن تطبيقها الفعلي داخل الصفوف سيكون صعباً.
مستقبل حماس والانتخابات وتمويل الإعمار
لن يكون للسلطة دور مباشر في الدعم المالي وعملية إعادة الإعمار إلا إذا تم تشكيل "حكومة تكنوقراط فلسطينية" مرتبطة بالسلطة. فالدور الرئيسي سيكون للهيئات والمنظمات الدولية، براي الأعور.
يتحدث الخبير الفلسطيني أيضاً عن إمكانية القبول الأميركي بوجود حماس السياسي، حيث قد يتم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتصبح حماس جزءاً رسمياً من النظام السياسي الفلسطيني، فيما ستبقى الفصائل بسلاحها الخفيف وقادرة على المشاركة في انتخابات قادمة.
أما مخول فيرى أن مصداقية السلطة لن تأتي إلا من الشعب الفلسطيني، وأن التوافق الداخلي غير وارد حالياً، وأن حماس لن تكون جزءاً من السلطة الحاكمة في غزة بحسب التزاماتها للقاهرة، ما يؤشر إلى واقع جديد متسارع.