طهران تتفاعل بحذر مع اتّفاق غزة وإعلامها يشكّك في جدواه واستمراريّته
                                    على عكس الترحيب السريع لدول العالم والمنظمات الدولية سريعاً بالاتفاق الذي أمكن التوصل إليه في شرم الشيخ بين إسرائيل و"حماس"، تأخر رد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كأحد اللاعبين الرئيسيين في القضية الفلسطينية، 12 ساعة   مما أثار دهشة المراقبين وأطلق العنان لتفسيرات وتحليلات متنوعة.
وأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بيانًا رسميًا متأخراً أكدت فيه أن الجمهورية الإسلامية كانت داعمة للمقاومة الفلسطينية المشروعة خلال العامين الماضيين. وأوضحت أن إيران استخدمت كل إمكانياتها الدبلوماسية، خاصة على المستوى الإقليمي ومن خلال منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة، للضغط على إسرائيل وداعميها لوقف "الإبادة الجماعية" وطرد المحتلين من غزة.
وفي البيان، حيّت إيران ذكرى شهداء المقاومة، ودعت المجتمع الدولي إلى منع إسرائيل من خرق الاتفاق، محذرة جميع الأطراف من "خداع ونقض العهد" من إسرائيل. كما طالبت بتحقيق العدالة عبر تحديد ومحاكمة المسؤولين عن "جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية" في قطاع غزة.
الإعلام الموالي
لم يصدر أي تعليق رسمي من مسؤولين إيرانيين آخرين بشأن الاتفاق، لكن وسائل الإعلام المقربة من الحكومة حاولت التقليل من دور الولايات المتحدة في التوصل إليه، معبرة عن شكوك في استمراريتها. ويُعزى هذا الحذر في المواقف الإيرانية إلى عدة عوامل، من بينها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أعلن في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 أن الهدنة جاءت نتيجة جهود دبلوماسية أميركية، مشيرًا إلى أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية كان عاملًا حاسمًا في تحقيق هذا الاتفاق، وهو ما يربط الهدنة بإحلال السلام في الشرق الأوسط ككل. هذه التصريحات تتعارض بشكل مباشر مع موقف إيران، التي تعتبر الولايات المتحدة شريكة في "جرائم إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني وتدمير غزة خلال العامين الماضيين، وترى أن وساطة واشنطن ليست محايدة.
الإعلام الإيراني
جنبت القنوات التلفزيونية الحكومية في إيران الإشارة إلى أدوار الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر في التوصل إلى هذا الاتفاق، ووصفت الاتفاق بأنه انتصار لحركة "حماس"  والمقاومة الإسلامية ضد إسرائيل، معتبرة إسرائيل الطرف الخاسر في الحرب على غزة خلال العامين الماضيين. وأشار محللون سياسيون في برامج هذه القنوات إلى أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية من هجومها على غزة، واضطرت، بوساطة أميركية، إلى قبول وقف إطلاق النار.  
وكالة "تسنيم" الإخبارية، المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، عبرت عن نظرة متشائمة تجاه الاتفاق، مدعية أن هناك احتمالية كبيرة لنقضه من قبل إسرائيل. وكتبت أن قبول إسرائيل لاتفاق وقف إطلاق النار لم يكن نتيجة ضغوط سياسية من الولايات المتحدة أو احتجاجات الرأي العام الغربي ضد إسرائيل، بل كان بسبب الخلافات المتزايدة بين الحكومة الإسرائيلية والجيش حول استمرار الوجود العسكري في غزة. وأضافت أن الجيش الإسرائيلي رأى استحالة استمرار العمليات في غزة، بينما كانت الحكومة السياسية تصر على استمرار الوجود العسكري. وادعت الوكالة بأن ترامب، من خلال التدخل في هذا الخلاف لمصلحة الجيش، حاول تقديم نفسه كرجل سلام يستحق جائزة نوبل للسلام.  
تساؤلات حول انسحاب إسرائيل من غزة 
كذلك، طرح كل من وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا" وموقع "مشرق" التابع للحرس الثوري تساؤلات حول جدوى الاتفاق، مشيرين إلى أنه لم يُحدد أي جدول زمني للانسحاب التدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة. وأشار تحليل لهما إلى أن إسرائيل، بعد عامين من الحرب والعدوان على غزة، لن تنسحب فجأة وبالكامل من القطاع، لأن ذلك سيُعتبر هزيمة أمام الرأي العام الإسرائيلي والدولي.  
مواقع التواصل الاجتماعي
أثار إعلان حماس شكرها للولايات المتحدة في بيانها الختامي دون الإشارة إلى دعم إيران للقضية الفلسطينية استياء بعض الإيرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي. واعتبروا أن هذا التصرف يعكس "نكرانًا" من "حماس" تجاه إيران.
في السياق ذاته، كتب الصحافي الإيراني المتخصص في القضية الفلسطينية أحمد زيد آبادي أن إيران لا يمكنها أن تعارض علنًا الاتفاق بين "حماس" وإسرائيل، وستتعامل معه بحذر، مشيرًا إلى أن هذا الاتفاق قد يشكل فرصة لحل الخلافات بين إيران والولايات المتحدة والغرب، شرط ألا تبحث إيران عن قضية أخرى للصراع مع الغرب بدلاً من القضية الفلسطينية.
من ناحية أخرى، زعمت الصحافية نفیسه کوهنورد، مراسلة "بي بي سي" الفارسية، أن الاتفاق قد يكون مقابل تقديم "تنازل كبير" لإسرائيل، ربما يتعلق بتصعيد التهديدات ضد إيران.
  حذر إيراني مستمر
بشكل عام، يبدو أن إيران ستحافظ على نهجها الحذر في التعامل مع الهدنة في الأيام المقبلة، لتجنب الظهور بموقف مناهض لرغبات الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي. في الوقت نفسه، ستسعى إلى صياغة مواقفها بحيث تبرز شكوكها في الوساطة الأميركية، مما يتيح لها التأكيد على صحة موقفها في حال خرق إسرائيل للهدنة.
    
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                        نبض