ما بين الإلغاء والتمديد... واشنطن تبقي يدها على مفتاح الطوارئ السورية

العالم العربي 03-10-2025 | 06:26

ما بين الإلغاء والتمديد... واشنطن تبقي يدها على مفتاح الطوارئ السورية

القرار إذن لا يعكس تراجعاً عن الانفتاح الأميركي على دمشق الجديدة، لكنه يوجّه رسائل سياسية متعددة. في الداخل الأميركي هو بمثابة طمأنة للكونغرس والرأي العام بأن أدوات الضغط لم تُرفع بالكامل.
ما بين الإلغاء والتمديد... واشنطن تبقي يدها على مفتاح الطوارئ السورية
الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.(أف ب)
Smaller Bigger


أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم إشعاراً رسمياً بتمديد حالة الطوارئ الوطنية المتعلقة بسوريا لعام إضافي اعتباراً من الرابع عشر من تشرين الأول/أكتوبر 2025، مستنداً إلى الأمر التنفيذي الذي كان قد صدر عام 2019 في ذروة الحرب السورية، ثم عُدّل لاحقاً بعد سقوط النظام السابق. القرار بدا للوهلة الأولى متناقضاً مع ما أعلنته الإدارة الأميركية قبل أشهر حين تحدثت عن إنهاء العقوبات الشاملة وحالة الطوارئ المرتبطة بها، لكن التدقيق في المسار القانوني يوضح أن ثمة أكثر من طوارئ متصلة بسوريا تراكمت عبر السنين، وأن كل واحدة منها تحمل خصوصية وأهدافاً مختلفة. فالأمر التنفيذي الصادر عام 2004 في عهد بوش الابن بقي سارياً حتى اليوم ويمدد سنوياً، وقد تأسس على اتهامات للنظام السوري بدعم الإرهاب والسعي إلى امتلاك أسلحة دمار شامل والتدخل في لبنان. ثم جاء الأمر التنفيذي عام 2019 في عهد ترامب ليضيف طبقة جديدة من الطوارئ مرتبطة بالحرب الدائرة، بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبالتدخلات الإقليمية، وكان ذلك الأساس الذي انطلقت منه العقوبات الاقتصادية الواسعة ضد دمشق. ومع سقوط النظام في أواخر 2024، قرر ترامب في حزيران/يونيو 2025 تعديل هذا الإطار عبر أمر تنفيذي جديد ألغى البرنامج الشامل للعقوبات، لكنه في الوقت ذاته أنشأ صيغة محدثة من حالة الطوارئ تستهدف أشخاصاً وكيانات محددة، من مجرمي الحرب، ومنتهكي حقوق الإنسان، وشبكات الكبتاغون، والمرتبطين بداعش والقاعدة وإيران.

ومن المهم التذكير بأن حالة الطوارئ الأميركية المرتبطة بسوريا ليست وليدة السنوات الأخيرة فقط، بل هي امتداد لمسار بدأ منذ عام 2004 حين أعلن الرئيس جورج بوش الابن أول طوارئ ضد دمشق، وتم تمديدها سنويًا بلا انقطاع حتى اليوم. وهذا البعد التاريخي يوضح أن التمديد الأخير ليس حدثًا استثنائيًا بل استمرار لنهج مؤسسي متجذر في القانون الأميركي، حيث يُلزم "قانون الطوارئ الوطنية" الرئيس بإشعار الكونغرس سنويًا ونشر القرار في السجل الفيدرالي، وإلا سقطت الطوارئ تلقائيًا. كما أن التداخل بين الطوارئ المختلفة يفسر الالتباس الراهن: فبينما أُلغيت العقوبات الشاملة في منتصف 2025، أبقت واشنطن على إطار طوارئ محدث يمنحها صلاحيات استثنائية للتحرك ضد أفراد وكيانات محددة. هذا الإطار لا يقتصر أثره على الداخل الأميركي أو على دمشق وحدها، بل يمتد إلى الساحة الدولية، حيث يراقب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن كثب كيفية تكييف واشنطن أدواتها بين الانفتاح والضغط. كذلك، فإن البعد الاقتصادي حاضر بقوة، إذ إن أي استثمار أو انخراط دولي في إعادة إعمار سوريا يظل مشروطًا بمدى مرونة أو صرامة هذه الطوارئ. بهذا المعنى، لا تُستخدم الطوارئ فقط كأداة ردع، بل أيضًا كورقة تفاوضية تتيح للولايات المتحدة أن توازن بين تشجيع الاستقرار والإبقاء على القدرة على العقاب عند الحاجة.

 

الشرع ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (وكالة)
الشرع ووزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (وكالة)

 

هذا التداخل بين الطوارئ يفسر الالتباس الحالي. حين قالت الخارجية الأميركية في تموز/يوليو الماضي إن حالة الطوارئ والعقوبات أُلغيت، كانت تشير إلى البرنامج الشامل الذي لم يعد قائماً. أما التمديد الذي أُعلن اليوم فيخص الطوارئ المعدلة التي أبقت واشنطن من خلالها على الأرضية القانونية اللازمة للتحرك السريع عند الحاجة. وهنا يتضح الفرق بين الطوارئ والعقوبات: فحالة الطوارئ هي الإطار القانوني الذي يفتح للرئيس أبواب صلاحيات استثنائية بموجب قانون الطوارئ الوطنية وقانون السلطات الاقتصادية الدولية، أما العقوبات فهي التدابير العملية التي تُفعَّل داخل هذا الإطار، ويمكن أن تتغير في طبيعتها من شاملة تطال دولة بكاملها إلى مستهدفة تركز على أفراد وكيانات بعينها.

القرار إذن لا يعكس تراجعاً عن الانفتاح الأميركي على دمشق الجديدة، لكنه يوجّه رسائل سياسية متعددة. في الداخل الأميركي هو بمثابة طمأنة للكونغرس والرأي العام بأن أدوات الضغط لم تُرفع بالكامل، وأن الإدارة ما زالت تحتفظ بحق الردع. وفي اتجاه السلطات الانتقالية في دمشق يحمل معنى أوضح: الانفتاح مشروط والسقف القانوني للطوارئ سيبقى مرفوعاً، فإذا انحرفت المسارات أو عادت أنماط القمع والتهريب والفساد، فإن واشنطن قادرة على إعادة فرض عقوبات واسعة بلا تأخير. أما على المستوى الإقليمي فهو تذكير لحلفاء الولايات المتحدة وخصومها على السواء بأنها لم تغادر الساحة السورية، وأنها توازن بين تشجيع الاستقرار والاحتفاظ بورقة الضغط.

هكذا يظهر التمديد الأخير وكأنه إعلان مزدوج: من جهة يدعم رواية الانفتاح على سوريا الجديدة ويمنحها مساحة اختبار، ومن جهة أخرى يؤكد أن مفاتيح اللعبة ما زالت في يد واشنطن. وبذلك تتحول حالة الطوارئ من مجرد إجراء قانوني روتيني إلى أداة استراتيجية تتيح للولايات المتحدة أن توازن بين تشجيع الاستقرار والإبقاء على قدرة الردع، بما يضمن أن أي فصل جديد في دمشق لن يُكتب بمعزل عن إرادتها.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/31/2025 2:00:00 PM
أشقاء الشرع.. مسؤولان بارزان في الحكومة وثالث "معاقَب"
شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات