جدار بين كردستان العراق وسوريا: هواجس الفوضى الأمنية تحكم الحدود

باشرت قوات حرس الحدود العراقية بناء جدار أسمنتي فاصل بين إقليم كردستان ومناطق الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، كجزء من خطتها الكلية لتحصين الحدود البرية بين سوريا والعراق. إذ يعتبرها المراقبون جزءاً من الإجراءات الاحترازية التي يتخذها العراق بغرض تأمين الحدود بين البلدين، استباقاً لأي أحداث سياسية أو أمنية قد تحدث في سوريا.
زارت "النهار" الموقع المنوي تشييد الجدار فيه، ابتداءً بقرية "فيشخابور" على المثلث الحدودي العراقي - التركي - السوري، نزولاً باتجاه الجنوب والغرب، في خط مستقيم يمتد حوالى 110 كلم، وصولاً الى "معبر ربيعة" بين سوريا والعراق، قبالة بلدة تل كوجر السورية. فالمنطقة المعنية كانت متروكة من دون جدار أسمنتي بين البلدين مذ بدأ حرس الحدود في الجيش العراقي بتشييد الجدار بين البلدين اعتباراً من 2018، بعد القضاء على تنظيم "داعش" الذي كان قد فتح الحدود بينهما مسافة قاربت 350 كلم من أصل 618 كلم هي الحدود كاملة.
أخرت السلطات الأمنية العراقية، بالتعاون مع نظيرتها في إقليم كردستان، تنفيذ هذا الجزء من المنطقة الحدودية بين البلدين طوال السنوات الماضية، لأنها كانت تعتبر المنطقة بين الإقليم والإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، التي تُسيطر عليها "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) "الأكثر أماناً"، قياساً بباقي مناطق الحدود. لكن التغيرات السياسية والأمنية في الداخل السوري، وإمكان حدوث تصعيد بين الفصائل الموالية للحكومة الموقتة في دمشق و"قسد"، كانت دافعاً لتنفيذ المشروع الحالي، إضافة إلى رغبتها في ضبط ممرات التهريب التجاري بين الطرفين.
بحسب معلومات اطلعت عليها "النهار"، سيتألف الجدار الحالي من حائط أسمنتي بطول 3 أمتار وعرض 75 سم، وسيكون مزوداً كاميرات حرارية دقيقة للمراقبة على مدار الساعة، ومثلها أدوات منع كهربائية ومغناطيسية، بتشييد ومتابعة وإدارة مشتركة تنفذها الأجهزة الأمنية والإدارية بين الإقليم والسلطات المركزية، من خلال ألوية "حرس الحدود" في الجيش العراقي. وفي مرحلة لاحقة، سيتم حفر حوض عميق من الجانب العراق للحدود، بأسلوب يكون قادراً على ضبط أي عمليات اختراق.
كان العراق قد شهد أوسع موجة اختراق للحدود في 2014، حين تدفق آلاف المقاتلين من "داعش" من الجانب السوري إلى الجانب العراقي، وتمكنوا في أسابيع قليلة من احتلال ثلث حوالى مساحة العراق، بما في ذلك مُدن كبرى مثل الموصل وتكريت والفلوجة، وتسببوا بمقتل عشرات الآلاف من العراقيين، بالذات من أبناء الأقليتين المسيحية والإيزيدية.
يشرح الباحث الأمني طلعت آلتون لـ"النهار" الدواعي الراهنة للإسراع في بناء هذا الجدار، استباقاً لما تتوقعه الأجهزة الاستخبارية العراقية، فيقول: "ليست مصادفة أن يتم الإعلان عن تشييد هذا الجدار في أول يوم تعلن فيه القوات الأميركية عن تقليص وجودها ومهماتها في العراق، ليكون متركزاً على محاربة تنظيم ’داعش‘ في سوريا، فالأمر يعني أن القوات الأمنية العراقية وحدها، بالتعاون مع البيشمركة والأجهزة الأمنية في كردستان، ستتحمل وحدها مسؤولية مكافحة الإرهاب. كما يحدث في ظل اضطراب إقليمي واسع، قد يكون يشهد العراق واحداً من موجاته. فأي استهداف للحشد الشعبي قد يترك أثراً في الاستقرار الداخلي، وتالياً قد يسبب توتراً عابراً للحدود".