جدل الصلاة في المدارس إلى الواجهة من جديد: هل يسعى إسلاميو تونس الى تكرار سيناريو التسعينات؟

أعادت حادثة منع طلاب في تونس من الصلاة بباحة مدرسة في الأيام الأخيرة، الجدل في البلد حول قضايا الهوية والدين، وفي مقدمها الصلاة في الفضاء العام، ومحاولة توظيف المدارس سياسياً وعقائدياً.
وأثار مقطع فيديو انتشر من داخل معهد "محمد بوذينة" بالحمامات، يوثق منع مديرة عدداً من التلاميذ من أداء الصلاة في ساحة المدرسة، نقاشاً عاماً تجاوز حدود الواقعة ليتحوّل ما كان تدخلاً إدارياً إلى مادة للجدل السياسي في بلد لاتزال ذاكرته تستحضر حقبة التسعينات، حين وضعت حوادث مماثلة الإسلاميين في مواجهة مع الدولة، بعدما اخترقوا المدارس والجامعات لاستقطاب الشباب وبناء حواضن اجتماعية لهم.
تطورت تلك الحادثة التي فجرت جدالاً واسعاً على منصات التواصل إلى تنفيذ طلاب عدد من المعاهد اضراباً عن الدراسة لمساندة زملائهم بمعهد الحمامات، واحتجاجاً على منعهم من الصلاة، والمطالبة بتخصيص أماكن للصلاة لهم.
جدل الهوية
على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسمت التعليقات بين من أيّد تحرك الطلاب واعتبر أن من حق الجيل الناشئ ممارسة عقائده، داعياً الى توفير فضاء مخصص لذلك، وبين من عارض الأمر منادياً بتحييد المدارس والفضاءات العامة بشكل عام عن التوظيف الديني.
في هذا السياق، تطوّع محامون محسوبون على التيار الإسلامي لمساندة الطلاب، فيما أكد نور الدين الخادمي، وزير الشؤون الدينية السابق وعضو حركة النهضة، في فيديو نشره على حسابه في "أكس"، أن "من حق أي كان أداء صلاته في الفضاء العام، ومن واجب الدولة توفير المكان اللائق لذلك".
لكن هذه التصريحات قوبلت بردة فعل غاضبة من أصوات علمانية، ما أعاد ذكريات الصراع حول الهوية وفصل الدين عن الحياة العامة خصوصاً في السنوات التي تلت حوادث 2011.
فقد حذرت أصوات علمانية عدة من عودة محاولات توظيف الفضاء العام، ووصف منير الشرفي، رئيس المرصد التونسي للدفاع عن مدنية الدولة، في تصريح لـ"النهار" ما حدث في المعهد بأنه "خطير"، وذلك بسبب ما تضمّنه من خلط واضح بين ما هو ديني ومقدّس وبين ما هو مدني وقانوني.
ورأى أن هذه الحادثة، التي قال إنها تدخل في إطار "التدين الفرجوي"، تُنذر بحملة مدبرة ضد الدولة المدنية، داعياً السلطات الى سن قانون واضح، من أجل تحييد المؤسسات العمومية، بما فيها المدارس، عن التوظيف السياسي والديني.
النهضة في قفص الاتهام
تجاوز الجدل حول حادثة معهد الحمامات مسألة الهوية، بعدما وضع الإسلاميين مجدداً في مرمى الاتهامات، خصوصاً أن أصواتاً عديدة من المدافعين عن فكرة إقامة المصليات في المدارس كانت من المحسوبة عليهم.
ورأى كثيرون أن حركة النهضة تبحث عن العودة الى المشهد من خلال محاولة اختراق المدارس لاستقطاب الفئات الصغرى، في محاولة لتكرار سيناريو تسعينات القرن الماضي عندما تسللت إلى المعاهد والجامعات، وحوّلتها إلى حواضن لنشر أفكارها، وتخريج جيل جديد من المناصرين.
وفي تقدير الناشط السياسي اليساري الطيب البوزيدي، أن ركوب الإسلاميين حادثة المعهد رسالة يبعثون بها للسلطة الحالية. ويقول لـ"النهار" إن حركة النهضة، بعد خسارتها حاضنتها الشعبية، تحاول تجييش الأوضاع للدفع بالمواجهة بين الطلاب والسلطة "معولة على نقلها من المدارس إلى الشوارع في مرحلة لاحقة".
ويشدد البوزيدي على أن هذا التكتيك قديم، "سبق أن عشناه في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، عندما حاولت النهضة أن تخترق المعاهد والجامعات".
أمّا الأستاذ الجامعي عميرة علية الصغير، فكتب مؤكداً "أن تحرك التلاميذ ودعمهم من أئمة الإخوان، وحتى تكوين لجنة من المحامين لفرض النشاط الديني في المعاهد باسم حق النشء المسلم في ممارسة شعائره، كلّها دخان للتغطية عمّا يبيتون له مستعملين المراهقين مطايا لتحقيق غاياتهم".