العالم العربي 03-10-2025 | 06:05

طوفان 7 أكتوبر: القصة الكاملة

بعد عامين على "الطوفان"، ماذا تكشف عن تفاصيل الهجوم الذي غير وجه المنطقة؟
طوفان 7 أكتوبر: القصة الكاملة
فلسطينيون على دبابة ميركافا إسرائيلية بعد عبور السياج الحدودي مع إسرائيل، في 7 أكتوبر 2023
Smaller Bigger

 
"من حضر الدورات التدريبية، ولم يذهب لصلاة الفجر في مسجده المعتاد، عليه أداء الصلاة فوراً". جملة طبيعية في قطاع غزة الذي يحكمه الإسلام السياسي ممثلاً بحركة "حماس" ذات التوجه الإخواني. لكنه كان أمراً عسكرياً شفوياً صدر عن قيادة القطاع في الحركة، في الرابعة من فجر 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. هذا الأمر العسكري كان إيذاناً بـساعة الصفر لعملية "طوفان الأقصى".

 

بزغ الفجر في غزة، فصدر أمر عمليات شفوي صريح لكل مقاتل في "حماس": "احمل سلاحك والتحق بالنقطة العسكرية المحددة لك"، بعد تزويده بذخائر إضافية: قنابل يدوية، قذائف صاروخية، رشاشات ثقيلة، بنادق قناصة، مواد شديدة الانفجار، إضافة إلى خرائط تفصيلية لمستوطنات وبلدات غلاف غزة، وما فيها من قواعد عسكرية.

 

صدر قرار شن "طوفان الأقصى" من أعلى مستوى في "حماس" داخل القطاع. وحددت التقييمات الإسرائيلية والاستخبارية اللاحقة شخصيتين رئيسيتين كمهندسين أساسيين: يحيى السنوار (قائد حماس في غزة) ومحمد الضيف (قائد كتائب عز الدين القسام - الجناح العسكري في حماس). وتم الإعلان عن العملية رسمياً بتسجيل صوتي نادر أصدره الضيف، "ما يشير إلى سلطة المجلس العسكري المباشرة وإشرافه على التوغل غير المسبوق، ويبرز هذا التعيين أن العملية لم تكن انفجاراً عفوياً، بل كانت هجوماً استراتيجياً متعمداً ومسيطراً عليه مركزياً ومنظماً من داخل غزة".

 

فلسطينيون يعودون إلى غزة بسيارة همفي إسرائيلية، 7 أكتوبر 2023 (أ ف ب)
فلسطينيون يعودون إلى غزة بسيارة همفي إسرائيلية، 7 أكتوبر 2023 (أ ف ب)

 

في الساعة 6:29، كان الأمر المباشر بالهجوم: "تحركوا بسرعة عبر فتحات في السياج تُفتح بالتفجير، واهجموا على إسرائيل". وفي اللحظة نفسها، أطلقت "حماس" 5000 صاروخ من غزة نحو المناطق المحاذية للقطاع، ففشلت "القبة الحديدية" في اعتراضها كلها بسبب عددها الكبير. عبر السياج نحو 3000 مقاتل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، مقسمين في كتائب (100 مقاتل)، وفصائل (20 أو 30 مقاتلاً) وفرق (10 مقاتلين)، على دراجات نارية وشاحنات نقل صغيرة، ومنهم من طار فوق السياج ونقاط الحراسة في طائرات شراعية صغيرة، ثم استخدموا الجرافات لتوسيع الفجوات. وبدأ "طوفان الأقصى".

 

في الساعة 07:00، وصل مسلحو "حماس" إلى مدينة سديروت، واقتحموا مركز الشرطة فيها. وتوسع الهجوم نحو الكيبوتسات القريبة من غزة: ياخيني وبئيري ونيريم ونير عوز ونير يتسحاق ونيتيف هاسارا وكفار عزة. وفي الساعة نفسها، كانت فرقة أخرى تهاجم مهرجان "سوبر نوفا" الموسيقي، فيما هاجم عدد كبير من المقاتلين قواعد عسكرية إسرائيلية محيطة بغزة، أهمها قاعدة ناحال عوز. فقد توغل القاتلون سريعاً في أنحاء القاعدة بعد القضاء على حاميتها الخارجية، ووصل بعضهم إلى "غرفة الحرب". وفي الساعة 07:20، تعرَّض ما كان يُعرف بـ"الدرع" - وهو ملجأ للغارات خارج غرفة الحرب - للهجوم. وقال الجيش الإسرائيلي لاحقاً لعائلة أحد الذين قُتلوا في "نحال عوز": "بدأ الهجوم على القاعدة بغارات بالطائرات المسيَّرة، وبمشاركة 70 مقاتلاً من أربع جهات، ثم انضم المزيد من المقاتلين بمرور الوقت". واستمر القتال في داخل القاعدة حتى وصلت مروحية إسرائيلية في الساعة 09:45، وبدأت تطلق النار على مقاتلي "حماس". وفي الساعة 10:00، وصل أكثر من 100 مقاتل جديد إلى القاعدة، وبدأت عملية أسر الجنود. وفي الساعة 12:00، بدأ مقاتلو "حماس" ينسحبون من القاعدة، ومعهم عدد كبير من الجنود الأسرى.

 

في الوقت نفسه، أي بين 07:00 و12:00، امتدت هجمات مقاتلي "حماس" على مناطق إيريز، وزيكيم، وصوفا، ورعيم، وعلى قاعدتين أخريين قرب بئيري وكيرم شالوم، وقاعدة في رعيم، واثنتين قرب الحدود المصرية.

 

صورة جوية للمركبات المهجورة في مكان مهرجان نوفا الموسيقي (ا ف ب)
صورة جوية للمركبات المهجورة في مكان مهرجان نوفا الموسيقي (ا ف ب)

 

لم يبدأ الهجوم الإسرائيلي المضاد فعلياً إلا عند الظهيرة. ولم يكن سهلاً. فمقاتلو "حماس" كانوا مقسمين إلى ثلاث مجموعات: مجموعة تهاجم القواعد العسكرية الإسرائيلية، ومجموعة مكلفة بصد أي هجوم تشنه القوات الإسرائيلية من خلال نصب الكمائن، ومجموعة مهمتها أسر أكبر عدد ممكن من الرهائن ونقلهم إلى جانب الفجوات في السياج. وهناك، كان ثمة من يتولى إدخالهم وإخفاءهم في أنفاق غزة. وكان كيبوتس بئيري الأشد تضرراً في الهجوم. ولم تصل إليه التعزيزات الإسرائيلية إلا في الساعة 13:30، بحسب تقرير الجيش الإسرائيلي، وتدخلت فرقة كاملة في الساعة 16:15 لإجلاء الناجين. وأكد الجيش رسمياً في الساعة 18:00 اختطاف مقاتلي "حماس" جنوداً وعسكريين.

 

في الساعة 11:34، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على "حماس"، بعد ساعة من أول جولة قصف عنيف على قطاع غزة، وقال: "هذه ليست عملية عسكرية، إنها حرب. هذا الصباح، شنت حماس هجوماً مفاجئاً مميتاً على دولة إسرائيل ومواطنيها، وستدفع ثمناً غير مسبوق". بعد الظهر، استدعى الجيش الإسرائيلي 360 ألفاً من جنود الاحتياط لتعزيز عديده البالغ 170 ألف جندي، وبدأت عملية "السيوف الحديدية".

 

أظهر تعقيد هجوم 7 أكتوبر تحولاً نموذجياً تكتيكياً كبيراً في حماس: عُرفت تاريخياً بإطلاق الصواريخ والعمليات الانتحارية والكمائن على الطرق، لكن العملية شملت عناصر منسقة عبر الجو (طائرات شراعية، مسيرات) والبر (اختراقات جماعية) والبحر، إلى جانب وابل ضخم من الصواريخ. أشار هذا المستوى من التنسيق إلى الحاجة إلى أشهر من الإعداد المفصل. كما أظهر قدرة "حماس" على الحفاظ على السرية أشهراً عديدة.

 

دباباتان إسرائيليتان تعبران السياج الفاصل نحو غزة (أ ف ب)
دباباتان إسرائيليتان تعبران السياج الفاصل نحو غزة (أ ف ب)

 

يقول كلايف جونز وروبرت بينفولد، في ورقة بحثية بعنوان "إسرائيل وسياسة فشل الاستخبارات في 7 أكتوبر" إن استراتيجية الأمن العملياتي القصوى هذه أمنت لـ"حماس" استقلالاً تكتيكياً عن رعاتها الاستراتيجيين: إيران وحزب الله. فبحجب التفاصيل التكتيكية والتوقيتية، ضمنت "حماس" عدم إحباط أي من الحلفاء العملية، فربما فضلوا نهجاً مختلفاً أقل تصعيداً أو أكثر تزامناً. وتقول الاستخبارات الأميركية في تقرير صادر في شباط/فبراير 2024 إن القادة الإيرانيين لم يدبروا الهجوم، ولم يكن لديهم أي علم مسبق به، "ويُظهر حجب المعرفة التكتيكية الحاسمة عن إيران و’حزب الله‘ استعداد ’حماس‘ لإعطاء الأولوية للمفاجأة التكتيكية على التزامن المحوري، وضمنت هذه الاستراتيجية استقلال حماس العملياتي الكامل، ومنعت أي جهة خارجية من التدخل في التخطيط أو تاريخ الإطلاق". وهذا وفر لطهران وبيروت حجةً للإنكار، عزلتهما عن انتقام إسرائيل المباشر في آلية حاسمة للحفاظ على سلامة "محور المقاومة" الأوسع.

 

وبحسب ساريت زيهافي وجاكوب لابين، الباحثين في مركز "علما" الإسرائيلي للبحوث، هجوم 7 أكتوبر والحرب في غزة "جزء من جهد إيراني أكبر ومحسوب، يعمل كستار دخاني لتسريع طهران تطوير قدرات استراتيجية غير تقليدية".

 

أكدت المراكز الاستراتيجية الإسرائيلية والتحليلات الأكاديمية اللاحقة أن هجوم 7 أكتوبر شكل فشلاً أعمق كثيراً من "غفلة استخبارية"، إذ مثّل انهياراً منهجياً في عدة عناصر بعقيدة الأمن الإسرائيلية، ولا سيما ركيزة الإنذار المبكر. إلى ذلك، يقول جونز وبينفولد: "استخدمت ’حماس‘ حملة خداع متطورة، فتلاعبت بالتقييم الاستخباراتي الإسرائيلي المعروف باسم ’المفهوم‘، والذي افترض أن إسرائيل ردعت ’حماس‘ في الصراعات السابقة، والحركة أعطت حكم غزة الأولوية من أجل الاستقرار الاقتصادي. ومن خلال محاكاة ضبط النفس والتركيز على الحفاظ على التدفقات الاقتصادية، ضمنت ’حماس‘ أن المعلومات الاستخباراتية الملموسة التي تشير إلى الاستعدادات للغزو قد أسيء تفسيرها أو تم تجاهلها، ما يدل على أن الخداع الاستراتيجي كان أساسياً لنجاح الهجوم".

 

** ساهمت مرال قطينة من فلسطين في إعداد هذه الرواية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".