العالم العربي 18-09-2025 | 05:58

تحسّباً للمتغيرات الجيوسياسية ومتقلبات الشرق الأوسط: تحالف البحر الأحمر السعودي المصري نواة مواجهة مستقبلية؟

شهد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري توقيع بروتوكول بحري بين الرياض والقاهرة، يؤسس لتحالف يشمل التنسيق وتوحيد القيادة والسيطرة، مع اعتبار قاعدة "برنيس" البحرية المصرية والمنشآت السعودية مراكز تشغيلية رئيسية.
تحسّباً للمتغيرات الجيوسياسية ومتقلبات الشرق الأوسط: تحالف البحر الأحمر السعودي المصري نواة مواجهة مستقبلية؟
تدريبات للقوات البحرية المصرية. (موقع وزارة الدفاع المصرية)
Smaller Bigger

ما أن مضت أشهر قليلة على "طوفان" غزة، حتى أعلنت الولايات المتحدة في 18 كانون الأول/ديسمبر 2023 إطلاق تحالف بحري متعدد الجنسيات لحماية الملاحة في البحر الأحمر تحت اسم "حارس الازدهار"، وذلك بعدما دخل الحوثيون على خط الحرب، وبدأوا بشنّ هجمات على السفن التجارية العابرة لمضيق باب المندب، ولا سيّما تلك المتجهة إلى إسرائيل.
لكن اللافت في الأمر أن أكبر دولتين متشاطئتين على البحر الأحمر لم تشاركا في هذا التحالف، هما المملكة العربية السعودية ومصر، وذلك لأسباب عدّة، أبرزها طبيعة الحرب التي تتعرض لها غزة.
وفي العاشر من آب/أغسطس الماضي، انطلقت مناورات "طلوع الفجر" الإسرائيلية في البحر الأحمر لتحاكي حرباً شاملة. عملياتياً أيضاً قامت البحرية الإسرائيلية باستهداف مواقع حوثية.
وشهد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري توقيع بروتوكول بحري بين الرياض والقاهرة يؤسس لتحالف يشمل التنسيق وتوحيد القيادة والسيطرة، مع اعتبار قاعدة "برنيس" البحرية المصرية والمنشآت السعودية مراكز تشغيلية رئيسية.
هذه الخطوة الاستراتيجية بالنسبة لبعض المتابعين لا تقتصر على البحر الأحمر، بل تشكّل "نواة عمل مشترك" لمواجهة ما هو آت من تغيير في خرائط المنطقة.
ويرى خبراء تحدثت إليهم "النهار" أنه يجب عدم فصل بروتوكول التعاون عن مسار الأحداث في غزة وما تقوم به إسرائيل في القطاع منذ عامين تقريباً، تاريخ بدء الحرب في تشرين الأول/أكتوبر 2023.

 

نواة مواجهة
عسكرة البحر الأحمر وتشابك المصالح الدولية مسألة لا يمكن لمصر، التي تمتلك أكبر قوّة بحرية عربية وأفريقية، والسعودية التي تمتلك أوسع إطلالة على البحر الأحمر وأضخم الاستثمارات في العالم مثل "نيوم" وغيرها، أن تنظر إليها بطريقة عابرة.
انطلاقاً من هذا الواقع، يجد الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور معتز سلامة، أن "التعاون المصري السعودي قد يقود نحو بناء نظام إقليمي، يكون نواة لمواجهة طليعة نظام إقليمي جديد تقوده إسرائيل".
ويقول سلامة، في حديثه إلى "النهار"، إن ما يجري الآن من تأسيس للقوة البحرية للبلدين هدفه الأولي حماية خطوط شحن النفط البحرية، "لكن على مقدار نجاح البلدين في بناء هذا الهدف يمكن بناء نظام إقليمي يعبّر عن الهوية العربية، أو يحافظ على النظام الحالي، ثم يشكّل قاطرة لتعاون في مجالات أوسع أمنية تتعلق بالعالم العربي بشكل عام، وتكون بداية للدفاع عن المصالح العربية".
المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية سالم اليامي، لا يبتعد برأيه عن سلامة، فبالنسبة له البروتوكول البحري "يعكس اهتماماً ثنائياً مصرياً سعودياً بتطوير التعاون في هذا المجال وتطوير العلاقات العربية"، ويعلل لـ"النهار" بأن أحد الدوافع مرتبط "بالتطورات السلبية التي تشهدها الأراضي المحتلة من عدوان إسرائيلي متواصل"، مع الإشارة إلى أن التوقيع سبق الاستهداف الإسرائيلي لقادة "حماس" في العاصمة القطرية.

 

قائد القوات البحرية المصرية يلتقي رئيس أركان البحرية الملكية السعودية. (موقع وزارة الدفاع المصرية)
قائد القوات البحرية المصرية يلتقي رئيس أركان البحرية الملكية السعودية. (موقع وزارة الدفاع المصرية)

 

تحديات عميقة
تحديات البحر الأحمر أقدم من المستجدات التي أدخلها الحوثيون، فهذا الشريان المائي يُعدّ واحداً من أهم الممرات المائية في العالم، وظهر بعضها متمثلاً بالصراع الدولي على القارة الأفريقية وبسط النفوذ على منطقة المحيط الهندي. فالصين أنشأت أول قاعدة بحرية لها خارج أراضيها في جيبوتي، التي فيها أيضاً قاعدة أميركية وأخرى فرنسية إلى جانب قواعد صغيرة لليابان وإيطاليا.
ومن الدول الطامحة للحصول على مكاسب جيوسياسية مماثلة روسيا، التي تسعى لإنشاء قاعدة في منطقة بورتسودان. كذلك تركيا تطمح لإنشاء قاعدة في جزيرة سواكن السودانية. وهذا الطموح تتشارك فيه الهند، ولا سيّما بعد اشتداد صراع النفوذ الدولي في المحيط الهندي.
وعلى هذا الأساس بات تدويل أمن البحر الأحمر جزءاً لا يتجزأ من المسرح الجيوسياسي الأوسع الممتد إلى المحيط الهندي. ومسألة التدويل هذه ينظر إليها المستشار السابق في الخارجية السعودية من زاويتين؛ الأولى عملية "من خلال الحاصل اليوم منذ أن أسّست الولايات المتحدة مع غيرها من الدول قوات بحرية لتوفير حرية الملاحة في هذا الشريان الحساس".
أمّا الزاوية الثانية فهي نظرية، برأي اليامي، تقوم على فكرة أن التدويل بمعناه الحرّ هو من "مسؤولية الدول المطلة على البحر الأحمر". لكنه يلفت في هذا السياق إلى أن ما يثير كثيراً من التشويش على هذين المسارين يتمثّل بـ"التوترات التي تشهدها دول مطلّة على البحر الأحمر مثل اليمن والسودان والصومال، يضاف إلى ذلك استثمار حالة عدم الاستقرار في بعض دول البحر الأحمر من قبل قوى إقليمية ودولية للبحث عن موطئ قدم مثل ما تقوم به وبشكل مركّز روسيا وإيران".
هذه التحديات الدولية القائمة، تُضاف إليها نظيرتها الإقليمية، وأبرزها المرتبطة بالأمن المائي المصري، وتتمثل بإثيوبيا، الدولة الحبيسة، التي تسعى لاستثمار منطقة بحرية في ما يُعرف بأرض الصومال، مقابل الاعتراف باستقلالها عن دولة الصومال، وهو ما تعارضه مصر بقوة مع ما يترافق من توتر بين الدولتين على خلفية بناء سدّ النهضة.

 

أزمة ثقة
بناءً على كل المعطيات التي تعصف بمسرح البحر الأحمر الجيوسياسي، ثمة مسألة مهمة، تتعلق بمقاربات الولايات المتحدة لهذه الأزمات. وبالتالي، هل يمكن فصل البروتوكول البحري المصري السعودي عن السياق السابق؟
في هذا الصدد، ينوّه سلامة إلى أنه على الرغم من العلاقات الاستراتيجية بين السعودية ومصر مع الولايات المتحدة "فإن الانحياز الأميركي لإسرائيل في عملياتها الأخيرة في المنطقة، والعمل على بناء نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، بما يضمن المصالح الإسرائيلية بالأساس ويجعلها الفاعل الأساسي في المنطقة، يشكل تهديداً لمصر والسعودية". ويستطرد مؤكداً أن هذا الانحياز لطالما كان موجوداً، لكنه لم يصل إلى هذا القدر من العلانية، و"هذا لا يخلق وضعية امتياز لإسرائيل فقط، إنما يؤثر على المكانة الإقليمية للدول الراسخة فيه وهي مصر والسعودية".
ويلفت إلى أن "السعي الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية وإنهائها، والسكوت عن سلوك إسرائيل الإجرامي في المنطقة، كلها من الأسباب الإضافية التي نالت من الثقة المصرية السعودية في الشريك الأميركي، وعليها أن تتعامل مع القوى الإقليمية بقدر من اللياقة الديبلوماسية".

 

آليات عسكرية مصرية بالقرب من الحدود مع قطاع غزة. (أ ف ب)
آليات عسكرية مصرية بالقرب من الحدود مع قطاع غزة. (أ ف ب)


ووفقاً لذلك يقول الباحث في مركز الأهرام للدراسات: "بالتأكيد كل هذا من ضمن الأسباب الأساسية لتكثيف التعاون البحري، وسوف يكون دافعاً ليس فقط لمصر والمملكة إنما أيضاً لمجمل الدول في النظام العربي في الفترة المقبلة، وسوف نشهد تعاوناً استراتيجياً على مستويات مختلفة".


الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟