قبل الانتخابات... خلافات في كركوك على النسبة القومية لموظفي الدولة
قبل الانتخابات البرلمانية العراقية، تعود الحساسيات القومية إلى محافظة كركوك المتنازع عليها بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان، بسبب اعتراض أكراد المحافظة على نسبتهم في مؤسسات الدولة، حيث يقولون إنها لا تتجاوز 20 بالمئة من مجموع الموظفين، في وقت تتجاوز نسبتهم العامة نصف سكان المحافظة. الأمر نفسه يتعلق بالتركمان، الذين يحملون موقفاً شبيهاً بالكرد.
القضية بدأت بعد إعلان وزارة الداخلية العراقية تعيين 2550 شرطياً جديداً في مؤسسات المحافظة. إذ اعترض الكرد على اللوائح المقدمة، فأعداد الكرد فيها هي فقط 350 شرطياً، أي قرابة 13 بالمئة من مجموع المُعينين، مطالبين بأن تخلق الجهات المسؤولة توازناً في توزيع هذه الوظيفة الأمنية الحساسة، عبر تعيين 1750 شرطياً كردياً على الأقل، لتكون المناطق ذات الغالبية الكردية المطلقة مُدارة من عناصر شرطية/مدنية من أبناء القومية نفسها. تركمان المحافظة أيضاً قدموا اعتراضاتهم، رافضين تعيين 340 شرطياً تركمانياً فحسب.
ويقول الشاب الكردي نجمار جاف، الذي تقدم بطلب للتجنيد في شرطة المحافظة، ورُفض طلبه من دون مبرر: "ليس لدي علم بالآلية والمعايير التي يتم فيها قبول المتقدمين، ومثلي مئات الشُبان الكرد الذين تقدموا لهذه الوظيفة. فاللجان المشرفة على القبول ليس لديها دفتر شروط معيارية، وآلية المعاينة غير شفافة، واللجنة المشكلة من وزارة الداخلية لا تحقق شرط التوزان القومي داخلها، وكل ما تدعيه بالاختيار حسب الكفاءة يفتقد الصدقية. فخلال انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، تمكن الكرد من إحراز 7 من أصل 15 مقعداً في المجلس، وحسب ذلك، فإن 1190 شرطياً كان يجب أن يكونوا من أبناء القومية الكردية، لو أرادت السلطات الاتحادية تحقيق شرط التوازن الذي أعلنت التزامها به".
يتعامل تركمان المحافظة وأكرادها بحساسية شديدة مع القرارات التي تتخذها أجهزة ومؤسسات الحكومة الاتحادية ومؤسساتها "المركزية" حيال المحافظة وتصنفها كتوجهات لصالح أبناء القومية العربية في المحافظة، معتبرين أنها نوع من التعريب المستتر فيها. فالتعيينات الوظيفية المتأتية من المركز لا تحقق أي توزان قومي، والموظفون العموميون في المحصلة يشرفون على انتخابات المحافظة والعملية الاقتصادية والتربوية والإعلامية والرمزية لها، وبذلك يخلقون هوية المحافظة ويحددون توجهاتها.

كانت المسألة قد تحولت إلى مادة أولى في المحافظة وخلقت حساسية شديدة بعد كشف النائبة الشهيرة عن الاتحاد الوطني الكردستاني ديلان غفور نسبة كل قومية من موظفي مؤسسات المحافظة، إذ قالت إن نسبة التركمان في ديوان المحافظة هي 42%، والعرب 31%، والكُرد فقط 26%. وأضافت أن في المحافظة ثمة قائم مقام كردي واحد من أصل أربعة، ويتولى العرب نسبة 42% من مدراء النواحي، فيما يحوز الكرد على نسبة 33% والتركمان 25%.
لكن القطاعات الثلاثة الأكثر إثارة وحساسية بالنسبة لسكان المحافظة هي رئاسة أقسام الأجهزة الأمنية، حيث للعرب 56% والتركمان 38% وللكرد 6% فقط. ينطبق الأمر نفسه في ما خص شركة نفط الشمال، والقطاع التربوي، إذ لا يشكل المُعلمون الكُرد إلا 20% من كوادر المحافظة.
ويشرح الباحث والناشط المدني من مدينة كركوك حميد طلعت، في حديث لـ "النهار"، الآليات الأكثر أماناً لتحقيق رضا جميع المكونات في المحافظة، والذي تدفع منظمات المجتمع المدني باتجاهه منذ سنوات.ويقول طلعت: "لإخراج الملف من الحساسيات القومية والمزاحمات السياسية، اقترحنا منذ سنوات تشكيل لجنة مدنية حيادية ومستقلة من أبناء المحافظة، متوافق عليها من مجلس المحافظة، ومشكلة من شخصيات معروفة بالنزاهة والرفعة عن العصبيات القومية، تكون مهمتها أدبية وإرشادية، بحيث تُبدي رأيها في كل عملية تعيين في القطاع العام، تعتبره مُنصفاً ومحققاً لشروط العدالة بالوصول إلى مؤسسات الدولة والخير العام بالنسبة لأبناء المحافظة أو لا، وتكون قرارتها ملزمة أدبياً لمختلف المؤسسات، الاتحادية والمحلية على حد سواء".
نبض