أحداث السليمانية تدشّن مرحلة انقسام جديدة: من يضبط الخلافات الحزبية في إقليم كردستان؟
انتهت أعمال العنف التي شهدتها مدينة السليمانية باعتقال رئيس "جبهة الشعب" لاهور شيخ جنكي وعدد من المقربين منه، لكن يبدو أنها دشّنت مرحلة جديدة من الخلاف السياسي والقانوني الداخلي الذي أدّى أساساً إليها. ففي وقت اعتبرت قيادات "الاتحاد الوطني الكردستاني" صدور مذكرة اعتقال بحق جنكي "تطبيقاً للقانون"، فإن مكتب رئيس حكومة إقليم كردستان والقيادي في "الحزب الديموقراطي الكردستاني" مسرور بارزاني رأى أن ما حدث هو نتيجة "خلاف بين الاتحاد الوطني الكردستاني وجبهة الشعب".
الأحداث اندلعت حينما رفض رئيس "جبهة الشعب" تسليم نفسه للقوات الأمنية التي حاصرت فندق "لالازار" جنوب مدينة السليمانية، وخرج ببيان صوتي أكد استعداده لمواجهة قوات مكافحة الإرهاب المحيطة بمكان وجوده، ما أحدث صداماً بين الطرفين، أوقع ثلاث قتلى من قوات الأمن وفرداً من حماية شيخ جنكي، إلى جانب عشرين جريحاً وأضرار مادية بالغة.

ويرى مصدر سياسي مقرب من "الاتحاد الوطني الكردستاني"، في حديث مع "النهار"، أن "ما جرى كان "نتيجة تجاوز زعيم جبهة الشعب الضوابط والأعراف العادية لممارسة العمل السياسي في إقليم كردستان، وطُبق عليه القانون تفصيلاً بسبب ذلك".
ويضيف: "شيخ جنكي كان قيادياً ضمن الاتحاد الوطني الكردستاني، وحينما أُخرج من الحزب في عام 2021 لم يتعرّض لأيّ مضايقات من أيّ نوع، بل سُمح له وقُدمت كل التسهيلات لإعادة تنظيم مجموع مؤيديه ضمن حزب سياسي شرعي. لكن حينما لم يحصل إلا على مقعد برلماني واحد في انتخابات برلمان إقليم كردستان، أعاد تركيب مجموعة من المؤسسات الأمنية خارج أطر القانون، ومنها ما سمّاها قوات العقرب، بتمويل وتغطية لا يُعرف مصدرها، وهو ما كان يثير حتى رفض جهات ذات حضور في إقليم كردستان، مثل الولايات المتحدة".
ويتابع المصدر: "تطلب الأمر أمراً قضائياً بالاعتقال والتحقيق وربما توجيه تُهم قضائية، لكنه رفض الامتثال للهيكل القضائي، فتدخلت القوى الأمنية لتطبيق القانون".
"الحزب الديموقراطي الكردستاني"، الذي تجمعه منافسة تقليدية مع "الاتحاد الوطني الكردستاني"، أعطى بدوره تفسيراً لما حدث، تحدث فيه عن جهود لم تنجح لمنع الصدام.
فالبيان الصادر عن مكتب رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني قال حرفياً: "إن الهجوم كان ناجماً عن خلاف بين الاتحاد الوطني الكردستاني وجبهة الشعب، ولم تكن رئاسة حكومة الإقليم على علم بالأمر حتى اللحظات الأخيرة من الحصار والهجوم". وأضاف في وصف موقف رئيس الحكومة: "على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها رئيس الحكومة لتجنب وقوع القتال والاشتباكات، إلا أنه للأسف الشديد نُفّذ الهجوم وأدّى إلى سقوط قتلى وجرحى. نشعر بقلق وحزن عميقين جراء هذا الحادث، والآن يجب أن يحل القانون محل القرار الحزبي والعنف، وألا يعرّض القتال والفوضى استقرار إقليم كردستان للخطر بعد الآن".
رئاسة إقليم كردستان دعت، من جهتها، إلى "إنهاء المشاكل والصراعات عن طريق القانون وبعيداً عن العنف"، فيما أعربت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق عن قلقها إزاء الأحداث في السليمانية، وكرر المتحدث باسم السفارة الأميركية الأمر نفسه، مطالباً الأطراف بضبط النفس.
ويعتبر الكاتب والباحث شكري ملاني، في حديث مع "النهار"، أن ما حدث جاء نتيجة لغياب المؤسسات الراعية للعملية السياسية في الإقليم. ويضيف: "دون شك سيتسبب الأمر بخلافات سياسية مستقبلية غير قليلة، بالذات في ما خص تسمية وتفسير ما حدث. وهذا ناتج عن غياب مؤسسات مختصة بالشؤون العامة السياسية في الإقليم، مثل الدستور ومحكمة الأحزاب، وهي مؤسسات من المفترض أن تعمل إلى جانب البرلمان والحكومة والمؤسسات القضائية التقليدية. فالخلاف الحالي بين الحزبين الرئيسيين يجري في وقت يستصعب الطرفان التوصّل لاتفاق سياسي بشأن رئاسة البرلمان وتشكيل الحكومة الجديدة".
نبض