لم تُنفَّذ بادرة تسليم بعض مقاتلي حزب العمال الكردستاني أسلحتهم في محافظة السليمانية بإقليم كردستان، كما كان مُتوقعاً أمس الخميس، في ما بدا وكأنه "أول تعثّر" في مسار "عملية السلام" بين تركيا والحزب. وقد ألقى أحد قادة الحزب باللائمة على من وصفهم بـ"مجموعة داخل الدولة" تسعى إلى تقويض العملية.
المراسم المُرتقبة كان من المفترض أن تُجرى في إحدى النقاط داخل محافظة السليمانية، شرق إقليم كردستان، بحضور ساسة محليين ووسائل إعلام إقليمية ومراقبين دوليين. ولم يُعلن الكردستاني عن موقعها المحدد، كإجراء احترازي. لكنّ الحدث تأجّل، بحسب مصدر من الحزب تواصلت معه "النهار"، مؤكداً إمكانية حدوثه في أي لحظة، حالما تتضح بعض الأمور في الداخل التركي. فالحزب، بحسب المصدر، لا يزال ملتزماً بما أعلنه قبل ستة أسابيع بشأن حلّ نفسه وإنهاء الكفاح المسلح.
القيادي المؤسّس في الحزب مصطفى قره سو، أوضح في حديث مطوّل مع وسائل إعلام مقربة من الحزب، صعوبة تنفيذ خطوات إضافية دون أن تقوم الدولة التركية بـ"ما عليها". وأضاف: "نحن جاهزون، لكن الحكومة التركية لم تتخذ الإجراءات الضرورية لإنجاز العملية. يجب الوفاء بالتزاماتها. في هذه المرحلة، لا توجد أي خطوات تبعث على التفاؤل. نريد استكمال العملية، ونهجنا وموقفنا تجاه هذه القضية متسقان تماماً"، متّهماً الجيش التركي بمواصلة عملياته العسكرية ضد الحزب.

تخفيف إجراءات سجن أوجلان مطلب أساسي لحزب العمال الكردستاني.

المطالب التي أوردها قره سو، والتي أكّدتها أيضاً المتحدثة باسم حزب الشعوب الديموقراطي المؤيد للأكراد، الذي يقود جهود الوساطة السياسية بين الكردستاني وزعيمه من جهة، والأحزاب والحكومة التركية من جهة أخرى، تمثلت بثلاث خطوات واضحة:
1. تخفيف إجراءات سجن زعيم الحزب عبد الله أوجلان.
2. الإعلان الواضح عن تشكيل لجنة برلمانية وتحديد مهامها المتعلقة بتعزيز الحقوق الثقافية والسياسية للأكراد داخل تركيا.
3. وقف الجيش التركي لعملياته ضد مقاتلي الكردستاني، خصوصاً داخل إقليم كردستان العراق.
من جهته، أكّد المتحدث باسم وزارة الدفاع التركية زكي أكتورك مواصلة القوات المسلحة التركية "كفاحها ضد جميع التهديدات والمخاطر بعزم"، مشيراً إلى أن العمليات الجارية وأنشطة البحث والتفتيش في كهوف وملاجئ "المنظمة الإرهابية" (في إشارة إلى العمال الكردستاني) في شمال العراق، مستمرة. وأعلن عن استسلام ثلاثة من مقاتلي الحزب خلال الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى ضبط وإبطال كميات من الأسلحة والذخائر التي عُثر عليها في مخابئ وكهوف تابعة له، خاصة في مناطق عملية "المخلب – القفل" التي ينفذها الجيش التركي شمال محافظة دهوك في إقليم كردستان.
ويتحدث الباحث والكاتب السياسي ميتان أفاني، لـ"النهار"، عن المقابل السياسي لتسليم الكردستاني سلاحه. ويقول: "صحيح أنه لا يوجد حتى الآن إعلان رسمي من الدولة التركية بشأن مقابل سياسي لحل الحزب وتسليم أسلحته، باستثناء بعض التصريحات المتقطعة للرئيس رجب طيب إردوغان وشريكه في التحالف الحاكم دولت بهجلي بشأن إمكانية اتخاذ سياسات أكثر انفتاحاً في حال تحقق ذلك. لكنّ الأمر يبدو بهذا الشكل فقط لحفظ ماء وجه الدولة التركية، ومنح السلطة فرصة تمرير العملية لدى الرأي العام، خصوصاً لدى القواعد القومية، دون خسارتها لصالح حزب الشعب الجمهوري المعارض".
ويضيف: "مباحثات أوجلان مع أجهزة الدولة استمرّت لسنوات، ولم يتمكن الجيش من الإطاحة العسكرية بالحزب. لذلك، فإن عملية وضع السلاح، والتي قد تمتد لعامين، مرهونة بخطوات عملية من قبل الدولة وأجهزتها، تشمل قرارات وقوانين وتشريعات وسلوكيات سياسية، تتبع كل خطوة ينجزها الحزب. أما دون ذلك، فإن العملية قد تتوقف في أي لحظة".