أزمة رواتب إقليم كردستان تُصدّع جبهته الداخلية

في ظلّ تصاعد الأزمة السياسية والمالية بين الحكومة الاتحادية العراقية وإقليم كردستان، عقب قرار وزارة المالية الاتحادية قطع رواتب موظفي الإقليم، بدأت تظهر ملامح خلاف سياسي بين القوى الكردية نفسها. فقد أبدت بعض الأحزاب المعارضة في الإقليم تراجعاً في حماسها للتنديد بقرار الحكومة العراقية، في حين حمّلت أحزاب أخرى الحزبين الرئيسيين في الإقليم مسؤولية ما يحدث.
أولى علامات الانقسام ظهرت في الاجتماع الاستثنائي الذي عقدته كتلة "الاتحاد الإسلامي الكردستاني" في البرلمان العراقي مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. ويُعد الحزب الإسلامي رابع أكبر الأحزاب الكردية من حيث التمثيل في برلماني العراق وإقليم كردستان، ويُعتبر هذا الاجتماع مع رئيس الوزراء الاتحادي خطوة غير معتادة، إذ إن لقاءات السلطة العراقية عادةً ما تُقتصر على الحزبين الرئيسيين الحاكمين في الإقليم.
وصعّدت كتلة "الإسلامي الكردستاني" سياسياً عقب الاجتماع، إذ قال عضوها مثنى أمين: "كان اجتماعاً غنياً بالمعلومات وصريحاً، ورأينا أن هناك نية للحل، وإذا توفرت الإرادة من إقليم كردستان، فسيكون حل المشاكل سهلاً". لكنه أضاف: "لم يُقدم وعد محدد، لأن القرار ليس بيد السوداني وحده، فهناك المحكمة الاتحادية، وفي الوقت نفسه، هناك التزامات الإقليم. يجب معرفة التعهدات التي سيقدمها الإقليم للعراق كي تُرسل الرواتب".
وأثار هذا الموقف رفضاً واسعاً من "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، أكبر الأحزاب في الإقليم، الذي أصدر بياناً عبر كتلته النيابية قال فيه: "للأسف، بالإضافة إلى الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له شعبنا، تلعب بعض الكتل الكردستانية أدوار المحامي، مقدمة مبررات لقطع الرواتب وخنق معيشة شعب الإقليم. بدلاً من أن يقفوا ممثلين لشعب كردستان ضد هذا الظلم، صاروا صوتاً وأداةً لأولئك الذين انتهكوا حقوق شعب كردستان ظلماً".
وتفاقمت الأزمة بعد إعلان "حراك الجيل الجديد" مقاطعته اجتماع الأحزاب الكردية المخصص لمناقشة الملف، والذي دعا إليه "الحزب الديموقراطي الكردستاني" في مقر مكتبه السياسي في بلدة صلاح الدين شمال أربيل. وطالب الحراك بأن يُعقد الاجتماع داخل برلمان إقليم كردستان وليس في مقرات أحزاب كردية، فيما وصفت النائبة عن الحراك ورئيسة كتلته في البرلمان العراقي سروة عبد الواحد الاجتماع بأنه "عديم الجدوى".
وامتدت المقاطعة لتشمل أحزاب "حركة التغيير الكردية"، و"تيار الموقف" بقيادة البرلماني الشاب علي حمه صالح، و"حركة العدل الكردستانية"، و"جبهة الشعب" التي يرأسها القيادي السابق في "الاتحاد الوطني الكردستاني" لاهور شيخ جنكي.
الحزبان الرئيسيان في الإقليم، "الحزب الديموقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، اعتبرا قطع رواتب الإقليم قراراً "سياسياً" هدفه إخضاع الإقليم سياسياً وأمنياً، وتقويض صفة الفيدرالية التي يتمتع بها. وتتهم منابر سياسية وإعلامية مقربة من الحزبين أحزاب المعارضة بالسعي لاستغلال ضغوط بغداد على الإقليم لتحقيق مكاسب آنية على حساب مصالح الإقليم بعيدة المدى. وفي المقابل، تتهم أحزاب المعارضة الحزبين الرئيسيين بعدم الالتزام بشروط بغداد، ما تسبب في الأزمة الحالية.
ويوضح الكاتب والباحث السياسي روني كيكاني، في حديث لـ"النهار"، أن الخلافات الداخلية في إقليم كردستان تتصاعد نتيجة هذا المسار، ويضيف: "لطالما رأت أحزاب المعارضة أن سيطرة الحزبين الرئيسيين على الملف المالي والمؤسسات الاقتصادية في الإقليم أداة لزيادة هيمنتهما على كل مناحي الحياة، وبالتالي تعزيز حضورهما على حساب المعارضة، وعندما يحدث العكس، تتحمل المعارضة المسؤولية وتقبل تزايد أصواتها وعدم انضباطها".