في وقت تعبّر الولايات المتحدة عن دعمها التام لإقليم كردستان العراق، بالذات في مجالي عقود الطاقة الحديثة التي وقعها الطرفان أو التوتر المالي - السياسي المتصاعد بين الإقليم والحكومة الاتحادية العراقية، فإن مراقبين محليين صاروا يعتبرون ذلك "تدفقاً" سياسياً أميركياً في الملف الداخلي العراقي، من بوابة الإقليم. 
الحضور الأميركي بدأ عقب توقيع عقود الغاز بين حكومة إقليم كردستان والشركات الأميركية أواسط الشهر المنصرم، وما لاقته من اعتراض الشديد من الحكومة الاتحادية العراقية والكتل البرلمانية الرئيسية، إذ تلتها تصريحات متتالية من المسؤولين الأميركيين الذين اجتمعوا مع رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني، الذي كان يُجري زيارة رسمية للولايات المتحدة. 
مراقبون عراقيون لاحظوا تراجعاً في حدة اعتراض الحكومة والقوى السياسية العراقية عقب تلك التصريحات، واعتبروها بمثابة "مساكتة" مُخطط لها، تسعى الجهات العراقية من خلالها إلى تجنب التصعيد مع الولايات المتحدة، وترك الأمر للجهات غير السياسية في البلاد، مثل المحكمة الاتحادية، لتعمل على إلغاء تلك العقود. 
لكن المسؤولين الأميركيين عادوا للتذكير بالأهمية القصوى لإقليم كردستان في تحديد شكل العلاقة الأميركية مع العراق، حسبما عبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أثناء مكالمة هاتفية مطولة مع رئيس الإقليم نيجرفان بارزاني، إذ قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية إن المحادثة تناولت "أهمية استمرار التعاون من أجل تعزيز الاستقرار والازدهار في العراق وسوريا والمنطقة، مشيداً بشراكة حكومة إقليم كردستان مع الشركات الأميركية، وبجهودها في تسخير الموارد المحلية لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة في العراق". 
المنصات الإعلامية والسياسية المقربة من الإطار التنسيقي (الحليف السياسي لإيران في العراق) صارت تعرض برامج وتحليلات سياسية تقول إن الأسلوب الأميركي الجديد هو "استخدام كردستان لأجل ابتزاز الحكومة الاتحادية في الملفات الثلاثة الرئيسية العالقة بينهما"، قاصدين مستقبل تشكيلات الحشد الشعبي وشكل العلاقة الأمنية والسياسية مع إيران، والدور والموقف العراقي من عملية السلام التي ترعاها الولايات المتحدة في المنطقة.

توقيع عقود الغاز بين حكومة إقليم كردستان وشركات أميركية تسبب بخلاف مع بغداد.

مصدر سياسي كردي اشتكى من الأسلوب الذي اعتمدته الحكومة العراقية للرد على مثل هذا الدور الأميركي، إن كان موجوداً، وأضاف في حديث مع "النهار": "حتى لو تصورنا وجود مثل تلك الآليات في المزاحمة الكبرى بين الولايات المتحدة وإيران، فكيف للحكومة الاتحادية أن ترد عبر الضغط الأقصى على إقليم كردستان، وليس التفاهم والتوصل لحلول مع الولايات المتحدة أو حتى إيران؟ وإلا ما معنى قطع رواتب الإقليم من قِبل المالية الاتحادية في هذا الظرف الحساس، قُبيل الانتخابات وبناء على حسابات شديدة المركزية؟ فالحكومة الاتحادية ترتكب آلية الضغط نفسها، عبر استضعاف كردستان للضغط على الولايات المتحدة".
الباحث والكاتب شفان رسول شرح في حديث مع "النهار" ما سمّاه إجراءات اللحظة الأخيرة بين مختلف الأطراف، وكيف أن إقليم كردستان بسبب موقعه ووضعه السياسي والقانوني صار منصة لتبادل الرسائل، وأضاف: "يعود الأمر إلى قرابة عشر سنوات، منذ أن أضاف ملف محاربة الإرهاب قيمة مضافة للإقليم، فصارت إيران تستعيض عن عدم قدرتها على المواجهة المباشرة لإسرائيل والولايات المتحدة بعمليات قصف لإقليم كردستان، وحينما صار ذلك متعسراً بفعل التحولات الأخيرة، صارت تعتمد الضغط السياسي والقانوني والمالي على الإقليم، لدفع الولايات المتحدة للمساومة. من جهتها، صارت واشنطن تكتشف أن الحكومة الاتحادية العراقية وقواها المركزية لا تلبي طلباتها بجدية واضحة، إنما فقط تريد الانحناء للعاصفة، ولأجل ذلك تدفع نحو مزيد من رفع قيمة الإقليم، لإيجاد مراكز قوى متعددة داخل العراق، الأمر الذي قد يتضاعف بعد الانتخابات بعد بروز زعامات سياسية سُنية في البلاد. كل ذلك مرتبط بعدم قدرة جميع الأطراف على الحسم السريع في الأفق المنظور".