منذ أن صعّدت الولايات المتحدة عملياتها الجوّية ضد جماعة الحوثي، تغيّرت ملامح الحياة اليومية لقادة الميليشيا؛ فلم تعد قصور صنعاء ولا مقارّها الرسمية مأوى آمناً، ولم تعد الاجتماعات المفتوحة أو التنقلات العلنية خياراً وارداً.

ووفقاً لمعلومات أمنية لدى سلطات الشرعية، انتقل القادة الحوثيون إلى نمط حياة تحت الأرض حرفياً، إذ أصبحت الكهوف في صعدة وحجّة ملاذاً آمناً لكثير منهم.

في المناطق الجبلية، تحوّلت المغارات الطبيعية إلى غرف عمليات. بعيداً عن أنظار الطائرات المسيّرة، يقضي القادة الحوثيون ساعاتهم في اجتماعات سرية، يتبادلون التعليمات عبر رسل بدلاً من الأجهزة الإلكترونية. حتى السيارات التي تقلهم باتت مجرّد عربات مدنية متهالكة، معظمها بلا لوحات، ومن دون مظاهر أمنية واضحة، في محاولة للاندساس وسط الحياة اليومية.

في صنعاء، لا يقلّ المشهد تعقيداً. ووفقاً لروايات سكان محليين، يقيم بعض القادة في أحياء شعبية مزدحمة، متنكرين في هيئة رجال أعمال أو تجّار عاديين.

من آثار القصف الأميركي على اليمن. (ا ف ب)

"لا يظهرون إلا للضرورة القصوى، وغالباً برفقة مرافق واحد أو اثنين بلباس مدني"، يقول شاهد عيان التقى أحدهم مصادفة في أحد الأسواق.

الحذر أصبح سيّد الموقف. داخل الغرف المغلقة، يُمنع حمل الهواتف المحمولة، وتخضع كل الاجتماعات لتدقيق أمني صارم، فيما يقدّم خبراء إيرانيون دورات تدريبية إضافية للحرس الخاصّ بشأن كشف أجهزة التتبّع والإشارات اللاسلكية خشية أيّ خطأ بسيط قد يكلفهم حياتهم.

على الصعيد الاجتماعي، لم تعد العائلات تجتمع كما في السابق؛ إذ فصل العديد من القادة الحوثيين أماكن إقامتهم عن عائلاتهم، التي نُقلت إلى مناطق ريفية سرّية.

سياسياً، تحرص الميليشيا الحوثية على إبقاء صورة التماسك؛ فرغم حياة السرية والملاحقة، تُبثّ خطابات عبر الإعلام الرسمي، ويخرج متحدثون باسمها بتصريحات تحدٍّ، تحاول أن تنفي حالة الضغط الخانقة التي يعيشونها.

ويقول الصحافي وائل القباطي، لـ"النهار"، إن "الضربات الأميركية أرهقت القيادة الحوثية بوضوح، لكنها حتى الآن تحاول عبثاً الموازنة بين البقاء على قيد الحياة والاستمرار في الظهور أمام أنصارها بمظهر القوة".
ومع استمرار الغارات "يبدو أن القادة الحوثيين يخوضون معركة من نوع آخر: معركة ضدّ الوقت، والقلق، والخوف الدائم".