واشنطن توقف تصاريح تفريغ الوقود في الحديدة: ضربة اقتصادية للحوثيين وفرصة استراتيجية للحكومة
مع اقتراب نهاية آذار/ مارس 2025، بدأ العد التنازلي للقرار الأميركي الذي أعلنت عنه وزارة الخزانة، عبر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC)، بشأن إنهاء تصاريح تفريغ المشتقات النفطية المكررة في ميناء الحديدة، الخاضع لسيطرة الحوثيين، في خطوة تهدف إلى تضييق الخناق المالي على الجماعة وحرمانها من مليارات الريالات التي تحصل عليها كجبايات جمركية وضريبية.
وبحسب التصريح العام رقم 25A الصادر مطلع الشهر الحالي، فإن التصاريح الأميركية تسمح فقط بتفريغ شحنات الوقود التي تم تحميلها قبل 5 آذار 2025، على أن ينتهي سريان القرار تماماً عند الساعة 12:01 من صباح 4 نيسان/ أبريل المقبل. وهذا يعني عملياً وقف استيراد أي شحنات وقود جديدة بعد هذا التاريخ، ما لم تصدر استثناءات جديدة من الخزانة الأميركية.
ويأتي هذا القرار في إطار تصعيد العقوبات الأميركية على جماعة الحوثي بعد إعادة تصنيفها "منظمة إرهابية أجنبية"، وفرض عقوبات على عدد من قياداتها.
وترى واشنطن أن إيرادات الوقود تعد أحد أهم مصادر تمويل الجماعة، وتُستخدم في دعم عملياتها العسكرية واستمرار سيطرتها على مؤسسات الدولة.
تخزين طارئ واستنفار
في صنعاء، يؤكد تجار وقود لـ"النهار" أن سلطات الحوثيين وجّهت بزيادة المخزون الاستراتيجي من المشتقات النفطية تحسباً لأي توقف وشيك في الإمدادات.
ويشمل القرار الأميركي منع إعادة تصدير الوقود من اليمن، وحظر تحويل الأموال لصالح الكيانات الخاضعة للعقوبات، مع استثناء محدود يتعلق بالضرائب ورسوم الخدمات العامة.
استعداد حكومي
في سياق متصل، يكشف مصدر مسؤول في مصلحة الجمارك التابعة للحكومة الشرعية، لـ"النهار"، أن المصلحة وموانئها في عدن وحضرموت والمهرة وتعز جاهزة لاستقبال كافة شحنات المشتقات النفطية، مؤكداً أن "الإجراءات الجمركية ستكون ميسرة، لا سيما بعد إغلاق ميناء الحديدة".
ويتوقع المصدر أن "تتجاوز الإيرادات الجمركية والضريبية للحكومة الشرعية 400 مليار ريال يمني خلال الأشهر التسعة المتبقية من عام 2025، في حال توجيه الواردات النفطية عبر موانئ المحافظات المحررة".
ويشير إلى أن "مليشيا الحوثي لم تدفع أي رواتب للموظفين في مناطق سيطرتها رغم العوائد الضخمة التي تجنيها من ميناء الحديدة، والتي يتم تحويلها لخدمة مجهودها الحربي وتمويل جبهاتها القتالية".
خسارة مورد حيوي
ويرى المحلل الاقتصادي اليمني وحيد الفودعي، في حديث مع "النهار"، أن القرار الأميركي سيحرم الحوثيين من مورد حيوي يدرّ 8 مليارات ريال شهرياً، منها ما يتم تحصيله كرسوم على واردات الوقود، إضافة إلى أرباح السوق السوداء.
ويقول الفودعي: "سيتأثر القطاع الإداري والعسكري للحوثيين، وسترتفع الأسعار داخلياً، ما قد يخلق حالة من السخط الشعبي، ويحرج الجماعة أمام مؤيديها، خصوصاً إذا ارتبطت الأزمة بمواقف دولية واضحة".
فرصة استراتيجية
ويؤكد الفودعي أن هذا القرار يُعد فرصة استراتيجية نادرة للحكومة الشرعية لإعادة تنظيم تجارة الوقود وتحقيق مكاسب مالية، شرط امتلاك الجاهزية اللوجستية والإدارية اللازمة لتأمين الإمدادات وضمان التوزيع المنظم ومنع التهريب إلى مناطق الحوثيين.
ويتابع: "إذا طُبّق القرار بصرامة دولية، فسيكون من أكبر الضربات الاقتصادية للحوثيين منذ سنوات، لكنه يُلزم الحكومة بحراك فوري ومنسق".
حجم الخسارة الحوثية
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي اليمني فارس النجار، لـ"النهار"، إن ميناء الحديدة استقبل بين نيسان/ أبريل 2022 وأيار/ مايو 2024 نحو 259 سفينة وقود بإجمالي 7.77 مليون طن، موفراً عائدات فاقت 4.3 مليار دولار لصالح الحوثيين.
ويفصّل النجار هذه الأرقام على النحو الآتي: 932 مليون دولار ضرائب وجمارك. 2.118 مليار دولار قيمة وقود إيراني يُمنح مجاناً ويُباع للمواطنين. 1.272 مليار دولار أرباح السوق السوداء (بهامش 30%).
ويضيف أن هذا القرار يمهّد الطريق للعودة إلى تنفيذ القرارين الحكوميين رقم 70 و75 لسنة 2018، المتعلقين بتنظيم واردات الوقود عبر الموانئ الخاضعة للحكومة.
ويشير نجار إلى أنه "ينبغي على الحكومة أن تتحرك الآن لتقوية قدرات موانئها، وضمان انسياب الوقود بطريقة شفافة وقانونية، تجمع بين حرمان الحوثيين من الموارد، وحماية الاحتياجات الإنسانية للمواطنين".
نبض