لماذا تأخرت الجزائر في الاعتراف بالنظام الجديد في سوريا؟

بيدٍ مُصافِحةٍ وأخرى ممدودةٍ للتعاون والمساعدة على تجاوز المرحلة الانتقالية، ظهر وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف نهاية الأسبوع الفائت في العاصمة السورية دمشق بصفته مبعوثاً خاصاً للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع.
الخُطوة فاجأت محللين، على الأقل حالياً، باعتبار قوة العلاقة التي كانت تربط السلطة الجزائرية بنظام بشار الأسد، وبالنظر أيضاً إلى تأخر الاعتراف الجزائري بالنظام السوري الجديد. وقد مهّد الرئيس الجزائري لذلك عندما صرح أخيراً بأن "الجزائر رفضت مجازر بشار الأسد في حق السوريين، ودعت دوماً إلى الحوار لحل الأزمة السورية".
الخبير في العلاقات الدولية قوي بوحنية يوضح لـ"النهار " أن توقيت زيارة وزير خارجية الجزائر لدمشق يأتي ضمن ديناميكية تشهدها الديبلوماسية الجزائرية، لافتاً إلى أن "الحالة الجزائرية السورية تختلف من حيث عمقها، بخاصة أنها متجذرة إلى مدة تتجاوز الثلاثة قرون، أي حتى قبل هجرة الأمير عبد القادر الجزائري ومعه مئات العائلات الجزائرية"، ومؤكداً أن الحديث عن علاقات الجزائر وسوريا يجر حتماً إلى الحديث عن علاقة بين الشعبين وليس بين النظامين السياسيَّين.
ويضيف بوحنية، أن الجزائر بقيت وفيَّةً لتوجهها الديبلوماسي القائم على عدم حل الأزمات عسكرياً، وعدم الموافقة على سياسة الكرسي الشاغر للدولة السورية في جامعة الدول العربية، وعلى مكافحة كل ما له علاقة بتأزيم الوضع، مع محاولة الوقوف على مسافة واحدة.
ويبرر بوحنية السلوك الجزائري الداعم لبشار الأسد والتأخر في الاعتراف الرسمي بالسلطة الجديدة في دمشق، بالتوازن المعروف عن الجزائر في علاقاتها الخارجية والبعيدة عن العجلة والاستباقية.
ويرى أن زيارة عطاف "رسالة إيجابية إلى حكام سوريا الجدد"، منبهاً إلى دخول أطراف خارجية على الخط محاولة استغلال ظرفية معينة، ومذكراً بالقرارات الدولية بصوابية الديبلوماسية الجزائرية غالباً.
وبحذرٍ شديد تحاول الجزائر بناء علاقاتها بالسلطة السورية الجديدة، تشرح الإعلامية المتابعة للشأن السياسي مريم زكري لـ"النهار"، وذلك على خلفية خبرتها الوثيقة بنظام الأسد.
وتوافق زكري بوحنية بخصوص عدم الاستعجال والتوازن اللذين تتصف بهما السياسىة الخارجية للجزائر، وتؤكد أن السلطات الجزائرية كثيراً ما تريَّثت في إبداء مواقفها من أي نزاع داخلي لأي دولة "ضماناً لعدم الاصطفاف العشوائي والتزاماً بمبادئها القائمة على عدم التدخل في شؤون الدول".
"وتَعلم الجزائر أهمية ضبط علاقاتها الثنائية بناء على المعطيات السياسية الجديدة في سوريا"، تقول زكري، مستطردة أن زيارة عطاف لدمشق ستفتح المجال أمام بعث علاقات تعاون مشترك بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية خاصة.
وكان عطاف ركز في المؤتمر الصحافي في دمشق على استعداد بلاده لتعاون اقتصادي مثمر في مجالات الطاقة والتجارة وفتح آفاق للاستثمار والمساعدة في إعمار سوريا، وهي قاعدة مستقبل العلاقات بين الجزائر ودمشق.
وفي هذا الشأن يشدد الإعلامي الجزائري المقيم في دولة الإمارات حمزة دباح، على ضرورة التفكير البراغماتي المفيد في علاقة الجزائر بسوريا، فبالنظر إلى التحديات الحالية للسلطة الجديدة في دمشق وحاجات البلاد الحيوية وفي صدارتها الطاقة، يمكن للجزائر التأسيس لمناخ اقتصادي ثنائي مهم بينها وبين دمشق.
ويلفت دباح في حديث لـ"النهار" إلى الحاجة السورية للجزائر اقتصادياً، داعياً إلى التبادل في الاستثمارات بين البلدين، ومشيراً إلى حاجة البلاد الماسة لقطاع الإنشاءات وسلعه مثل الحديد والإسمنت والرخام... "وكلها بإمكان الجزائر توفيرها وبالتالي الاستفادة من حصص في السوق السوري الذي سيكون شَرِهاً لإعادة الإعمار في المرحلة المقبلة".