أقصى ما يمكن أن تأمله الطبقة السياسية الجزائرية عام 2025 هو تحديث سياسي يكون استكمالاً للمسار الانتخابي الذي شهدته البلاد في أيلول (سبتمبر) 2024 وأفضى إلى فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية رئاسية ثانية بعد حصوله على 84,30 في المئة من الأصوات.

من يتابع خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس الجزائري أمام ممثلي الأمة وأركانها لمناسبة تنصيبه رئيساً للبلاد للمرة الثانية، يلمس أن 2025 ستكون سنة سياسية بامتياز. فهو يُريد استكمال مسار عقلنة الحياة السياسية في البلاد، وقد تفرز هذه السنة مشهداً سياسياً جديداً بالنظر إلى طبيعة القوانين التي ستطالها التعديلات، وأهمها قانون الانتخابات ساري المفعول منذ عام 2021 والذي ثبت أنه مشوب بالثغرات، وقد برزت هذه الاختلالات جلية خلال الانتخابات البرلمانية الماضية منتصف عام 2021، على غرار المواد التي تخص كيفية منع الترشح والإقصاء بمبرر غير محدد، وهي المادة 200 من القانون الانتخابي. ويسودُ لدى الأحزاب السياسة اعتقاد بتوجه السُلطة نحو إجراء انتخابات نيابية في ربيع السنة المقبلة مُباشرة بعد إعادة النظر في قانون الانتخابات. 

واللافت إلى الآن هو توجه صانع القرار السياسي في البلاد نحو تعديل قانون الأحزاب لمطابقته مع دستور 2020، وهُو قانون مهمّ ومفصلي في الممارسة السياسية الحزبية لأنه سيضبط العمل الحزبي في البلاد ويُغير المشهد السياسي، وقد يؤدي إلى تصدر أحزاب المشهد وتراجع أخرى ورُبما اختفاء بعضها. 

تحولات بنيوية مرتقبة 
يجمعُ محللون سياسيون جزائريون على أن العملية السياسية في الجزائر خلال 2025 ستشهدُ تقدماً كبيراً بعدما سجل 2024 جُموداً كبيراً في المشهد السياسي، وقد تُفضي هذه العملية إلى بُروز تحولات بُنيوية في المشهد السياسي المحلي. ويقُول عبد الرفيق كشوط الأستاذ المحاضر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة محمد الصديق بن يحيي في محافظة جيجل لـ"النهار" إن "هناك العديد من المؤشرات سيكون لها تأثير واضح على الحياة السياسية". 
وأبرز هذه المتغيرات التي ستحرك الركود السياسي صدور نصين قانونيين جديدين يُنظمان عمل المجالس البلدية والولاية ويحددان صلاحيتها.
ويشرح كشوط تصوره قائلاً إن "هذين القانونين سيُعطيان الحياة السياسية زخماً جديداً".

أما المُتغير الثاني فهو مرتبط بالأول، فما دام هناك تغيير لقانون البلدية والولاية فإن تنظيم انتخابات برلمانية ومحلية يكاد يكون حتمياً، ما يعني تغيير واقع الخريطة السياسية، وخُصوصاً إذا كان القانونان سالفا الذكر يحملان تغييرات جذرية. أما المتغير الثالث فهو اقتصادي، وخصوصاً مع الحيوية التي يعرفها قطاع المؤسسات الناشئة، ما يعطي دفعاً ونشاطاً سياسياً لكون هذه المؤسسات يستفيد منها الشباب الذي سيدعم العملية السياسية في البلاد". 

وتبدو التغييرات المنتظرة طبيعية لأن البلاد خرجت من عام انتخابي أسفر عن تغييرات جذرية لم تكن منتظَرة إطلاقاً، والمتوقع اليوم بحسب كشوط "بروز مشهد سياسي جديد مختلف تماماً عما هو معتاد في الحياة السياسية الجزائرية، ولا سيما بعد مراجعة قانون الأحزاب السياسية، إذ من المرتقب أن تتفكك بعض الأحزاب لعدم قدرتها على المنافسة الانتخابية، وربما قد تختفي أخرى لعدم قدرتها على مواكبة النشاط السياسي، بما يُقلص عددها تلقائيًا". 

وكشف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في حواره الصحافي الذي جمعه بوسائل إعلام محلية وبثه التلفزيون الحكومي في بداية أكتوبر الماضي، وهو الأول من نوعه منذ إعادة انتخابه لولاية ثانية في 7 أيلول (سبتمبر)، عن إطلاق الحوار الوطني نهاية 2025 وبداية 2026، ومراجعة قانون الأحزاب بإشراك الطبقة السياسية. 

وفي كانون الأول (ديسمبر) 2023، كانت الحكومة الجزائرية السابقة وزعت مسودة قانون جديد على القوى السياسية في البلاد، بعد إجراء تعديلات على المسودة التمهيدية التي كانت محل رفض من الأحزاب بسبب ورود بنود تقيد العمل والممارسة الحزبية وتتيح للسلطة والإدارة التدخل في تركيبة الحزب السياسي، وقد دعت الحكومة الأحزاب إلى إعلان مواقفها وإبداء ملاحظاتها الأولية قبل صياغة المسودة النهائية. 
أما المحلل السياسي أحسن خلاص فيرجّح "أن يشهد العام المقبل حركة ملحوظة في اتجاه الإصلاحات الهيكلية في جهاز الدولة من خلال تبني قانون البلدية والولاية الجديد وإطلاق حوار وطني من أجل مراجعة قوانين الأحزاب والانتخابات واستكمال المنظومة القانونية المتعلقة بالإعلام، وقد تتوج هذه العملية بانتخابات بلدية وولائية مسبقة، ولكن ليس قبل إصدار تقسيم إداري جديد يوسع عدد الولايات والبلديات". 

سنة الحوار السياسي 
تتقاطع خيوط التغيير السياسي والاقتصادي الحالي لتُشكل تغييرات وتحولات ملحوظة ستنعكس تأثيراتها بوضح على الساحة السياسية الجزائرية بحسب المحلل السياسي خلاص، الذي يقول لـ"النهار" إن "المشهد السياسي في الجزائر مُقبل على تغييرات عميقة، وتعتبر الثانية من نوعها بعد الإصلاحات الهيكلية التي أُجريت عام 2022 لإعادة بناء الدولة الجزائرية الحديثة". ولكن لماذا تتجه السُلطة نحو إصلاحات ثانية رغم أنها أطلقت إصلاحات شملت مجموعة من القوانين المؤطرة للحياة السياسية؟ يجيب: "دستور 2020 لم تتبعه قوانين سياسية تتلاءم معه".
وبالنسبة إلى البروفسور نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بسكرة، فإن "البلاد ستكون في قلب تغييرات تكون تداعياتها واضحة للعيان". ويقول لـ"النهار": "في ضوء أحداث سنة 2024 ستكون السنة المقبلة حبلى بالتحديات داخلياً وخارجياً بالنظر إلى طبيعة الأحداث المحلية والمتغيرات الدولية كمحددات موضوعية للمستقبل. وعليه، ينتظر أن يكون المشهد السياسي مرتبطاً بهذه التحولات على صعيد القوانين الجديدة للبلدية والولايات، إذ يُعتبر هذان القانونان معياراً مهماً في رسم المشهد الانتخابي الوطني المقبل لامركزياً على الأقل، كما ينتظر العمل في الإطار الحكومي الحالي نفسه لدعم السياسات العامة، كما أن هناك هدفاً استراتيجياً منتظراً السنة المقبلة هو الحوار الوطني الشامل الذي يعزز قيم الحوكمة ويكون أحد أسباب المناعة الوطنية". 

ويجزم المحلل السياسي بالقول إن "هناك إرادة سياسية قوية لفرز الساحة السياسية موضوعياً من أجل إنتاج حالة حزبية فعالة ومستدامة بمشاركة الأحزاب الكبرى في التنمية الوطنية والاستقرار النسقي للبلاد".