مسيحيو حلب صامدون بقوة الله وبضمانات... شباب الفصائل لسيّدة، "ما طلبنا تحطي الحجاب شو ما بدِّك اعملي"
                                    
ككرة الثلج تدحرجت العملية العسكرية في حلب، المعروفة بـ"ردع العدوان"، والتي باتت تهدف مما تهدف إليه إلى استئصال أو أقلّه تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، أولاً، وضرب رئة الإمدادات العسكرية لـ"حزب الله" في لبنان، ثانياً، وإسقاط نظام بشار الأسد ثالثاً. علماً أنّ سرعة الحسم وسقوط المناطق، يطرحان تساؤلات بشأن "غضّ طرف" موجود لدى لاعبين على الساحة السورية وفي جوارها. 
جزءٌ من الشطرنج العسكرية السورية، هم المسيحيون الموجودون في قلب مناطق العمليات، ومصيرهم، وما تردّد أخيراً عن أسلوب مختلف للتعامل معهم من قبل الفصائل المسلحة. فكان لا بدّ من أن يُطرح السؤال عن مصير من تبقّى من المسيحيين هناك، خصوصاً أن تاريخ هذه الجماعات المسلحة لا يطمئن المسيحيين على وجودهم الحرّ والآمن. من هنا، يعيش المسيحيون في حلب نوعاً من الحذر من الغد، وما إذا كان التيار الإسلامي الثائر اليوم سيجرف وجودهم أو يتسبب بهجرتهم. 
بحسب المعلومات، في سنوات الحرب منذ العام 2011 غادر نحو 90% من المسيحيين مدينة حلب. اليوم، بحسب المعلومات، يعيش فيها نحو 20 ألف شخص بعدما كان العدد يناهز الـ250 ألفاً. 

الواقع من داخل حلب اليوم مطمئن إلى حدّ ما. فمع بداية الأحداث شعر المسيحيون بخوف نتيجة تجارب سابقة ومواقع أخرى كانت الأمور سيئة فيها على الوضع المسيحي، "لكن اكتشفنا لاحقاً، كما يقول أحد مواطني حلب، أن من دخلوا إلى حلب ولديهم انتماءات محددة كانوا لطفاء مع المسيحيين في كل حي وشارع وفي كل أرجاء حلب، ليس فقط لأننا مسيحيون، بل يظهر أن هناك توصية للتعامل باحترام مع الأقليات. هم دخلوا من دون آليات حربية كبيرة، لا مدافع ولا مضادات طيران، بل أسلحة خفيفة يحملونها وسيارات صغيرة يستقلونها "بيك آب" أو دراجات نارية، وبهدوء وبطريقة لائقة ومن دون "تكبير"، مروا في الشوارع والساحات، ليغادروا لاحقاً هذه الساحات ويتمركزوا في مواقع حساسة واستراتيجية".
ويقول شاهد عيان، إنه "حتى عندما تمّ فرض حظر التجول يوم السبت الماضي من الخامسة مساء إلى الخامسة من مساء الأحد اليوم التالي، عَمَد عدد من الكهنة إلى إقامة القداديس بشكل طبيعي، فدُقّت أجراس الكنائس وبُثت التراتيل عبر مكبرات الصوت قبل بداية القداس، فيما حضر المؤمنون بأعداد كبيرة إلى المشاركة في القداس ولم يتمّ التعرض لأحد".
وفي يوم الاثنين أيضاً، اعتاد المسيحيون هناك في حلب على إقامة القداديس، ويقول شاهد عيان آخر، "خلال تلاوتنا لمسبحة الوردية دخل إلينا أحد شباب الفصائل سائلاً عمّا اذا كان بإمكانه أن يصوّر المؤمنين داخل الكنيسة أثناء صلاتهم، فلم يمانع أحد، وقام بتصوير الناس في الكنيسة ثم طلب منا اذا أمكن قرع الجرس مجدداً ليقوم أيضاً بالتصوير".
ويروي شاهد العيان، أنه "في عيد البربارة، عمد هؤلاء الشباب إلى توزيع الهدايا على الناس، وحتى الخبز والمياه. وجاءت على وجه السرعة إحدى السيدات لأخذ الخبز، وهي لم تتنبه لوضع الحجاب على رأسها، وعندما فعلت، توجّه إليها أحد شباب الفصائل بالقول، "خالتي، أنا ما طلبت منكِ تحطّي الحجاب شو ما بدِّك اعملي نحنا ما إلنا شغل معِك"، وقرار وضع الحجاب يعود إليكِِ وحدكِ".

ويقول متابع من قلب حلب، "يبدو أن الشباب الموجودين هنا هم من مهاجري حلب أو سوريين وليسوا غرباء أو أشخاصاً منفعلين أو متطرّفين. هم مرّوا في شارع فيه الكثير من المحلات التي تبيع الكحول، فلم يظهر منهم أيّ تصرف عدائي، ولم يعتدوا أو يحطموا، بل طلبوا فقط إزالة الآرمات الدعائية التي تختص بالكحول".
الهجرة من حلب
عند بدء العملية العسكرية، غادر العديد من العائلات المسيحية مدينة حلب، وواجهت صعوبة في الطريق.
ويقول أحد المراجع الدينية، "ككنيسة باقون وثابتون في حلب بقوة الله، لن نغادر، ونعمل على مدّ الناس بالمعنويات وبما يحتاجون إليه".
وبحسب معلومات "النهار"، لا قيود مفروضة على المسيحيين في حلب لجهة المغادرة أو العودة، فمن يريد الرحيل يستطيع أن يرحل، ومن يريد العودة مرحّب به، إلّا أن الناس تتجنّب المغادرة لأن الطريق باتت صعبة، وخوفاً من أي صدامات بين الفصائل أو جيش النظام السوري. من هنا يتفادى المواطنون المغامرة بحياتهم، ولم تحصل هجرة من مدينة حلب أسوة بما حصل في السنوات السابقة.
على المستوى الاقتصادي، بحسب المعلومات، الحياة كانت صعبة وتفاقمت أكثر، خصوصاً أن المرحلة الانتقالية اليوم يشوبها الكثير من الغموض، ولا أحد يعرف بما يُخطّط للغد، وهذا الغموض ينعكس اقتصادياً واجتماعياً، علماً أن الفصائل طلبوا من جميع الموظفين في حلب العودة إلى وظائفهم، وعاد عمال النظافة إلى أعمالهم أيضاً برواتب مشجعة، ووُعد المواطنون بحياة جيدة، وبتقديمات حيوية وصحية وبنى تحتية جيدة والعمل برواتب أفضل، بما يعني أنهم يحاولون إعادة تحريك الحياة الاقتصادية في المنطقة، وهو ما يُعتبر من مؤشرات أنهم سيستقرون في المدينة.
حتى هذه اللحظة الأمور هادئة، ويبدو هناك توصيات سياسية للتعامل مع المسيحيين والأقليات باحترام وبحدود معينة. 
في الموازاة، يقول رئيس حزب الإتحاد السرياني العالمي ابراهيم مراد لـ"النهار"، إنه مع دخول قوة "هيئة تحرير الشام" عمّ الخوف، لكنّ الفصائل طمأنوا الناس بأن المشكلة هي مع الميليشيات الإيرانية ومع النظام السوري فقط.
وأشار إلى أنّ هناك تواصلاً مع عدد من المرجعيات الدينية والأهالي الذين أكدوا عدم حصول تجاوزات بحق الأهالي، والفيديوهات التي انتشرت على مواقع التواصل عن حرق أشجار الميلاد والكنائس هي قديمة ومن فعل بعض الجهات التابعة للنظام والميليشيات الإيرانية.
وكشف مراد عن اتصالات دولية قام بها حزب الاتحاد السرياني، حصيلتها إعطاء تطمينات أن هناك مراقبة للوضع الميداني، وهناك توصيات محددة ولن تكون هناك تجاوزات كما حصل في الماضي، والوضع شبه مضبوط.
لكنه قال رداً على سؤال، "لا يُستند إلى تطمينات الفصائل المسلحة. لذلك نطالب بتحرك دولي وخصوصاً من قبل روسيا، لتعمل على ضبط الوضع في مناطق النظام لإنهاء وجود الميليشيات الإيرانية".
وعن إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية ومصير المسيحيين، يقول مراد، "اذا وصلنا إلى هذه المرحلة فالأكيد أن أحداً من المسيحيين لن يبقى موجوداً، من هنا نراهن على تدخّل روسي ودولي لعدم الوصول إلى هذه المرحلة في المستقبل، وإخلاء هذه المناطق من السكان غير الإسلاميين، فاذا كانوا معارضة فعلية عليهم ان يطبّقوا الديمقراطية والحرية التي ينشدونها، وهذه الحرية تكون لكل المكونات وليس لمكون واحد". 
من يراقب ما يجري في سوريا يتأكّد من وجود خارطة سياسية يرسمها لاعبون كثر، وكلام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خير تعبير، بقوله: "مددنا يدنا لبشار الأسد لكنه لم يستجب"، معلناً أن إدلب وحماة وحمص أصبحت بيد المعارضة السورية وهم مستمرّون باتجاه دمشق.
في الموازاة، ورغم بعض الانقشاع الذي بدأ يظهر في الأفق، يستمر قلق المسيحيين في حلب وأكثر من منطقة في سوريا، فالسماح بإقامة الاحتفالات الدينية وقرع الأجراس وتوزيع الحلوى لا يعني الأمن والأمان لهم، إنما ضمانات دولية تدل التجربة السياسية على أنها تتغيّر وفق موازين قوى محددة وظروف ومعطيات مختلفة، بموازاة أن فصائل المعارضة السورية مكونة من فئات مختلفة الكثير منها، يحلّل قتل من هم من غير المسلمين.
    
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                            
                                                                        نبض