الإثنين - 06 أيار 2024

إعلان

التدقيق الجنائي: الأمل والثُغر

أن نحلم بوطن، هو أن تكون الإصلاحات جدّية وحقيقية (تعبيرية- أ ف ب).
أن نحلم بوطن، هو أن تكون الإصلاحات جدّية وحقيقية (تعبيرية- أ ف ب).
A+ A-
 
كتب الباحث الاقتصادي الدكتور أيمن عمر

 

التدقيق المالي يهدف إلى التأكد من صحة البيانات المالية وفقاً لمعايير المحاسبة الدولية عبر جمع الأدلة المادية التي تعطي المصداقية للبيانات المالية، وهي بحسب جمعية المحاسبة الأمريكية ( (AAA: "عملية منتظمة وموضوعية للحصول على أدلة إثبات وتقويمها فيما يتعلق بحقائق حول وقائع وأحداث اقتصادية وذلك للتحقق من درجة التطابق بين تلك الحقائق والمعاني المحددة وإيصال النتائج إلى مستخدمين المعلومات المهتمين بذلك التحقق". أما التدقيق الجنائي فهو يجمع بين التدقيق المالي والتحقيق الجنائي لتحديد النشاط المالي الإجرامي وكشف المسؤولين عنه عبر أدلة مادية محاسبية لا سبيل للتشكيك بها.
 
منذ حراكات 17 تشرين، والشعب اللبناني يتطلع بأكمله إلى كشف منظومة الفساد بل وإنزال أشدّ العقوبات بالمفسدين الذين أوصلوا البلاد والعباد إلى هذا الدرك الأسفل من الانهيار على المستويات كافة. ولطالما انتظر اللبنانيون أخباراً عملانية مفرحة تصبّ في هذا الإطار من شأنها أن تعيد جزءاً من الأمل وترمم الثقة المفقودة بكل ما يصدر عن السلطة، والتدقيق الجنائي من الممكن أن يكون إحدى السفن التي يعلّق عليها اللبنانيون آمالهم في النجاة. وبعد طول انتظار تم توقيع العقد مع الشركة العالمية "Alvarez & Marsal"، وبحسب ما رشح عن العقد- بحسب تقرير المؤسسة الوطنية للإعلام LBCI- فإن ثغرات عديدة لا بد من التوقف عندها لعل أهمها عدم جواز التدقيق بحسابات مصرف لبنان وحرمان الشركة من الوصول إلى المعلوماتية لديه، وبالتالي يصبح التدقيق الجنائي غير ذي فائدة بعملية الاطلاع على البيانات المالية الرسمية وكشف الخلل فيها وملاحقة مرتكبي الجرائم الكبرى بحق الشعب اللبناني. لم أستطع أن أستوعب المغزى من تحييد مصرف لبنان عن التدقيق الجنائي، والذي على أساسه، لا يمكننا ملاحقة المجرمين فحسب بل كشف مكامن الخلل الحقيقية في المالية العامة والهدر المالي واقتراح الخطط التي يمكن تقديمها لصندوق النقد الدولي. إن التدقيق الجنائي لمصرف لبنان يحسم الجدل بين السلطة السياسية من جهة ومصرف لبنان وجمعية المصارف من جهة أخرى حول الأرقام الحقيقية للعجز المالي والذي لطالما سبّب مادة جدلية حول المقاربات الاقتصادية والمالية للخطط الموضوعة من كل طرف، وبالتالي يحصل هذا التضامن الوطني الاقتصادي في معالجة الأزمة ويحيي بعضاً من الثقة المرجوة.
 
عقبات عديدة ستقف حائلاً أمام فعالية مجدية للتدقيق الجنائي، هذه العقبات تبدأ بالقوانين اللبنانية (من قانون السرية المصرفية إلى قانون النقد والتسليف) لتصل إلى القضاء اللبناني واستقلاليته في محاكمة ومحاسبة المجرمين بحق الشعب اللبناني. الثقة بالقضاء اللبناني ما تزال ضائعة في دهاليز قواعد وتوازنات اللعبة الداخلية والمذهبية، ونُسفت هذه الثقة أكثر وأكثر مع تفجير مرفأ بيروت وطريقة تعاطي القضاء مع القضية، ناهيك عن عشرات إن لم نقل المئات من القضايا التي ذهبت أدراج رياح القضاء المسيّس.
 
ويبدو أن النوايا غير سليمة في العقد الموقّع، الذي استثنى مجموعة "Egmont" من عضوية اللجنة الرسمية اللبنانية للإشراف على مدى التزام شركة "ألفاريز" بالقواعد الإلزامية التي تنظم عملها كما أوصت بذلك هيئة التشريع والاستشارات. فوجود مجموعة "إيغمونت" يعطي بحد ذاته مصداقية في ملاحقة الأموال التي تم تبييضها، فهي منتدى دولي لوحدات المعلومات المالية، تأسست في عام 1995 و ترمي إلى تعزيز أنشطة أعضائها في مجال مكافحة غسل الأموال و تمويل الإرهاب.
 
إن شركة "الفاريز" بحسب العقد ستصدر تقريراً مبدئياً وليس نهائياً خلال مهلة 10 أسابيع، وأي تقرير جديد ستصدره الشركة سيكلف خزينة الدولة مزيداً من الأعباء المالية بمعنى ستتجاوز تكاليف التدقيق المليونين و220 ألف $، فهل تستطيع الدولة اللبنانية - التي أعلنت التوقف عن سداد ديونها، والتي بلغ احتياطي العملات الأجنبية الخط الأحمر- تحمّل هذه الأعباء، وبالمقابل لا تستطيع الاستمرار في دعم بعض السلع الضرورية؟
 
إن هدف التدقيق الجنائي بالأساس هو اكتشاف عمليات الاختلاس والتزوير ونهب المال العام واسترداد الأموال المنهوبة والمبيّضة ومحاسبة المجرمين، معتمداً على أدلة حسابية مادية قطعية، إلا في لبنان وُضع التدقيق الجنائي على طريقة اللف والدوران لأن المجتمع الدولي يضغط بهذا الاتجاه من أجل تحرير أموال سيدر والحصول على دعم صندوق النقد الدولي. وإذا بقيت الأمور سائرة بنفس العقلية فلن يصل التدقيق الجنائي إلى مبتغاه وهو الإطاحة برؤوس الفساد الكبرى وأذرع الدولة العميقة، ويبدو أن الخطوط الحمراء للكيانات السياسية والمذهبية لن يتم تخطيها. إن ربط كل خطوات التدقيق الجنائي بموافقة وزارة المال حصراً والتي هي – وستبقى- بيد فريق سياسي، سيجعل التحقيق وما ينتج عنه مرهوناً بهذا الفريق. وإن تأخير توقيع العقد والبدء به وبهذا الشكل سيفرغ التحقيق من محتواه ويقضي عليه من مهده.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم