الأربعاء - 08 أيار 2024

إعلان

الروس ربما ساعدوا من دون قصد على ضرب "أرامكو"!

جورج عيسى
الروس ربما ساعدوا من دون قصد على ضرب "أرامكو"!
الروس ربما ساعدوا من دون قصد على ضرب "أرامكو"!
A+ A-

يرى بعض المراقبين أنّ الهجوم على شركة "أرامكو" السعودية العملاقة للنفط يتيح لروسيا فرصاً لتعزيز حضورها على المسرح الإقليميّ الشرق أوسطيّ. وهو حضورٌ ستظهر تجلّياته على مستويين بالحدّ الأدنى. لعلّ روسيا هي المستفيد الأوّل من قلق الأسواق نتيجة الهجوم على "أرامكو" أو بشكل عام نتيجة التوتّر في الخليج الذي يبقي أسعار النفط معرّضة للارتفاع.

لكنّ السياسة النفطيّة لموسكو لم تكن لتنتظر حدثاً كالهجوم على "أرامكو" كي تتبلور. فشركتها مع منظّمة البلدان المصدّرة للنفط "أوبيك" والتي باتت تُعرف ب "أوبيك بْلاس" تركت بصمة إيجابيّة على الاقتصاد الروسيّ خلال الأشهر الاخيرة ، كما لاحظ الكاتب جيفري سميث في مجلّة "فورتشن" الأميركيّة. فغياب استقرار الإنتاج النفطيّ في دول عدة حول العالم مثل ليبيا وفنزويلا ونيجيريا يعدّ مكسباً إضافيّاً لروسيا. لكنّ التعاون المشترك بين موسكو والرياض يحظى بأهمّيّة خاصّة. وهذا ما يظهره تقرير سميث باشارته إلى أنّ التنسيق بين الدولتين، سحب أكثر من مليون برميل من الأسواق، كما انعكس في مجالات سياسيّة، كتليين الخلاف على سوريا، وتحوّل الرياض مصدراً للاستثمار الخارجيّ الجوهريّ في روسيا، وبذلك ملأت الفراغ الذي خلّفته الشركات الأوروبية والأميركيّة بعد التوتّر الغربيّ - الروسيّ منذ عام 2014. والأهمّ من كل ذلك هو ما قاله للمجلّة مدير الاستشارات في شركة "ماكرو أدفايزوري" التي تتخذ موسكو مقراً لها كريس ويفر من أنّ العلاقات الاقتصاديّة بين الدولتين متطوّرة الى درجة أنّ روسيا، اذا اضطرت إلى ذلك، لأن تختار الرياض عوض طهران حليفاً لها.

خلافات لم تعد خافية

ثمّة مؤشّرات لكون روسيا تنظر إلى إيران شريكاً تكتيكياً أكثر منها حليفاً استراتيجيّاً. في سوريا، وعلى رغم الحفاظ على إطار أستانا، وتحقيق هدفهما بإبقاء نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد، تدور خلافات حول الحلّ السياسيّ وتوزيع مناطق النفوذ والاستثمار، إضافة إلى الضوء الأخضر الروسيّ الضمنيّ لتل أبيب كي تضرب مقاتلي إيران. وفي ما يتعلق بالاتّفاق النوويّ، وعلى رغم أنّ الإيرانيّين بدأوا يخفّفون التزاماتهم بموجبه، أعلن الرئيس الروسيّ أنّ بلاده "ليست فريق إطفائيّين"، في تلميح إلى أنّه قد لا يمارس ضغوطاً لابقاء ذلك الاتّفاق، اذا استمرّ الأميركيّون، لكن أيضاً الإيرانيّون، في زيادة مخاطر التوتّر في شأنه. ومن جهة أخرى، لا يمكن التغاضي عن واقع التنافس بين طهران وموسكو لتصدير النفط إلى أوروبا، وهو يصبّ حاليّاً في مصلحة الروس مع استمرار العقوبات على الإيرانيّين.

ماذا عن الهدف المشترك؟

في مقابل نقاط الاختلاف هذه، ثمّة من يركّز على قاسم مشترك قد يكون أساسيّاً لكلا الطرفين هو مواجهة "الهيمنة" الأميركيّة في العالم على حد تعبير كليهما. ولكن يمكن هذه المواجهة أن تتّخذ أشكالاً مختلفة. يقوم الشكل التقليديّ على دعم موسكو للدول المعادية للولايات المتّحدة وفي مقدّمها إيران، إلى جانب الصين وفنزويلا وغيرهما. غير أنّ هذا الشكل غير كاف لتحقيق معظم الأهداف.

يبدو أنّ روسيا تعتمد تكتيكاً جديداً نسبيّاً يقضي بإبعاد حلفاء واشنطن التاريخيّين عنها. وأبرز مثل على ذلك، تركيا، لكنّها ليست المثل الوحيد. فحتى الخلاف الأميركيّ - الأوروبّيّ على الملفّ النوويّ يجسّد فرصة لموسكو كي تتقرّب أكثر من بروكسيل. ويحفّزها أكثر غياب الاستقرار بين الحليفين الأطلسيّين في عهد الرئيس الأميركيّ الحاليّ. وليس التقارب الفرنسيّ - الروسيّ في هذا الإطار إلّا أحد تجلّيّات ذلك.

واللعب على وتر ايجاد شرخ أو تباعد بين الحلفاء الأطلسيّين يبدو أهمّ الأسلحة الروسيّة حاليّاً. وعرض نظام "أس - 400" على السعوديّة يصبّ بشكل ما في هذا الإطار. وثمة فكرة مهمّة نقلها سميث عن مدير برنامج كارنيغي للسلام في موسكو ديمتري ترينين: "دعم أعداء واشنطن فقط لأنّهم يعارضون الهيمنة العالميّة لا يعزّز موقعك".

مراقبة تقنيّة التعرّف إلى الأهداف

وسط كلّ هذه التحوّلات الدوليّة، يتيح الاعتداء على "أرامكو" فرصة إضافيّة لروسيا على الصعيد السياسيّ وسيطاً لحلّ التوتّر. لكن ما يستحقّ إلقاء الضوء عليه أيضاً في ذلك الهجوم هو الجانب التقنيّ. وأظهر تقرير حديث أنّ هذا الجانب قد يكون مرتبطاً بالبعد السياسيّ، ولو بشكل غير مباشر. ففي "المعهد الأوستراليّ للسياسة الاستراتيجيّة"، سجّل المحلل البارز في الإمكانات والاقتصادات الدفاعيّة ماركوس هيليير، ومطوّر البرامج ديفيد ميلار، والباحث في المركز الدوليّ للسياسة السيبيرانيّة التابع لمعهد نايثان روزر، دقّة الهجوم الذي استهدف السعوديّة.

في رأيهم ان هناك طريقتين لكسب هذه الدقّة. الأولى الوصول إلى استخبارات جغرافيّة مكانيّة معقّدة في شكل صورة متعامدة orthographic imagery. والثانية صور كهروضوئيّة و/أو صور بالأشعّة ما دون الحمراء عالية الدقّة للسماح بتطابق الصورة مع الأهداف يكون إمّا آليّاً وإما باستخدام فرع مهم من علم الذكاء الاصطناعيّ: Human-in-the-loop.

وأوضح الباحثون ان طريقة الاستهداف الثانية تتطلّب الوصول إلى صور ذات جودة أفضل من صور "غوغل"، مرجّحين احتمال تمكّن المهاجمين من الوصول إلى صور فضاء عالية الدقّة. وبالنسبة إليهم، يحتمل أن تكون البيانات قد أمّنتها دولة متطوّرة كروسيا، لاستفادتها من ارتفاع أسعار النفط نتيجة الهجوم، أو الصين، لكنّها لا تستفيد من ارتفاع الأسعار. وأضافوا أنّ ثمة احتمالاً أنه عوض أن يكون الأمر جهداً روسيّاً مباشراً لاستهداف السعوديّة، أساء الإيرانيّون استعمال البيانات التي أمّنها الروس لهم خلال تنسيقهم في سوريا. ولفتوا إلى أنّ ما ذكروه "تكهّن"، لكنّهم أكّدوا أنّه "كما يمكن الأسلحة أن تنتشر كذلك الأمر بالنسبة إلى البيانات".

تبدو فرضيّة دفع روسيا إيران الى شنّ هجوم استراتيجيّ كهذا مستبعدة جدّاً، على الاقل لغياب القدرة على معرفة كيفيّة تسلسل الردود على اعتداء كهذا وكيفيّة استجابة أسواق النفط لهذه المخاوف، ونجاح التقارب الروسيّ-السعوديّ أخيراً.

وتجد موسكو نفسها أساساً مستفيدة من السياسة الأميركيّة حيال إيران دونما حاجة إلى تصعيد إضافيّ. أما السؤال المحوريّ، فيبقى في مكان آخر: اذا صحّ تكهّن الباحثين الثلاثة بأنّ إيران أساءت استعمال المعلومات الأمنيّة التي أمّنها الروس لها في سوريا، فكيف قد ينعكس ذلك على علاقاتهما الأمنيّة وربّما السياسيّة هناك؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم