الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

صفحات من وعن اللجوء السوري إلى لبنان

المصدر: "النهار"
طفلة لاجئة سوريّة (أ ف ب).
طفلة لاجئة سوريّة (أ ف ب).
A+ A-
في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 نَقَلت الصُحُفُ عن السفير السوريّ في بيروت تصريحًا نفى فيهِ وجودَ لاجئينّ سوريّينَ في لبنان موضحًا أنَّ «العائلاتِ متواجدةٌ على طرفي الحدودِ اللبنانيّةِ/السوريّةِ، وهناك زياراتٌ متبادلةٌ بينها، فكيفَ يكونُ الزائرُ لاجئًا؟» .

في الأوّلِ من كانونَ الأوّلِ (ديسمبر) 2015، تابَعَ اللبنانيّونَ على شاشاتِ التلفزةِ عمليّةَ تبادلٍ بين السُلْطاتِ اللبنانيّةِ وبين «جبهةِ النُّصرةِ» موضوعُهَا عددٌ من المُحتجزينَ لدى الطرفِ الأوّلِ مقابِلَ عسكريّينَ لبنانيّينَ كانَ الطرفُ الثاني قَدْ أسَرَهُمْ مطالِعَ آب (أغسطس) من عامِ 2014. وخلالَ البثّ المباشرِ لعمليّةِ التبادُلِ هذه ــ وهي عمليّةٌ توسَّطت لإنجاحِها دولةٌ واحدةٌ على الأقل، (قَطَرْ) وباركتها دولٌ عديدةٌ (المملكة العربيّة السعوديّة، الإمارات العربية المتحدة، تركيا) ــ أُفْرِجَ بالجُملَةِ، ببيانٍ مُقْتَضَبٍ، عن بنودِ الصّفقةِ التي جاءَ التبادل في إطارها.

وكما لا يُفْترضُ بالمرءِ أن يتوقّعَ من صفقة بين «دولةٍ» ذات سيادة، وبينَ «تنظيمٍ» مارقٍ يُعاقب القانونُ اللبنانيُّ على الانتماء إليه، دارت بنودُ الصّفقةِ على أمورٍ ذاتِ صِلَةٍ بمُتطلّباتِ الحياةِ اليوميّةِ للآلافِ من اللاجئينِ السوريّين الذين تقطّعَتْ بِهِمُ السُبُلُ بين عُرسال وجُردِها.
 
بينَ منطقِ «الإنكارِ» الذي عبّر عنه، في عِدادِ تعبيراتٍ أُخرى، تصريحُ السفيرِ السوريِّ في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 ـــ إنكارِ اللجوءِ السوريِّ إلى لبنان ـــ وبينَ منطقِ «التّسليمِ بالأمرِ الواقِعْ» الّذي عبّرتْ عنهُ صفقة كانونُ الأوّل (ديسمبر) 2015، تَأرجَحَت قضيّةُ اللجوءِ السوريِّ إلى لبنان. وفي تَأرجُحِها هذا تابَعَتْ ما يُمكِنُ وَصْفُهُ بـ«المِزاجِ» اللّبنانيِّ، فَبَرَزَ، أحيانًا، مَيْلٌ إلى تقديمِ أعبائِها الاقتصاديّة، وبرز أحيانًا أُخرى توجّهٌ إلى تقديمِ وَطْأتِها الاجتماعيّة، وكانَ في أحيانٍ ثالثةٍ أَنْ عَلا صوتُ ما تُوقِظُهُ من هواجَسَ لبنانيّةٍ، وهَكذا، مع استحضارٍ دائمٍ ـــ مَشروعٍ في مُبتدآتهِ، مَوْضِعَ مساءَلَةٍ في أساليبِهِ وتوظيفاتِهِ ــ لِمَا يترتّبُ عليها من مخاطرَ أمنيّة.

تفاوتتْ ردودُ فِعلِ السّاسّةِ اللبنانيّينَ في تقويمِ عمليّةِ التبادلِ فَذَهَبَ بعضهُم إلى التّخفيضِ مِن طبيعتها كـ«صَفْقَة»، وذَهَبَ آخرونَ إلى اعتبارها «فضيحةٌ سياديّة»؛ ثمّ كانَ ما كانَ من تطوراتٍ تراجعَ مَعَها الاهتمامُ بعمليّةِ التبادلِ تِلك لمصلحة أمور أخرى شاءتِ الصُدَفُ، أو مَكْرُ التّاريخِ، أنْ يكونَ أَبْرزَها عمليّةُ تبادلٍ أُخرى، صَفْقَة الزبداني ــ كفريا/الفوعة، تُؤذِنُ، على رأي البعض، بالأسوأ...

بِصَرْفِ النّظرِ عَمّا سَبَقَ من استطرادٍ، ورُغمَ أنّ الاستمرارَ في تنفيذِ بنودِ الصّفَقَةِ المعقودةِ بين السُلطاتِ اللبنانيّةِ وبينَ «جبهةِ النُّصرة» يبقى في ظهرِ الغيبُ، يُمكنُ القولُ بلا مبالغةٍ إنَّ تاريخَ اللجوءِ السوريِّ إلى لبنان سوفْ يذكُرُ سَنَةَ 2015 بأنّها سَنَةُ الانتقالِ الصّريحِ من «الإنكارِ» إلى «التّسليمِ بالأمرِ الواقع» ــ مِنْ إنكارِ اللجوءِ إلى التسليمِ بِهِ، وبأنَّ المُعظمَ من السوريّينَ والسوريّات في لبنان ليسوا زُوّارًا بْلَ طلاب أمنٍ وأمان، مع المُسارَعَةِ إلى التحفُّظِ على أن تُحَمَلَ لفظةُ «انتقالٍ» على مَحْمَلِ «النٍقلة النوعيّةِ» التي يَفترضُ المرءُ معها أن يَشْهَد، على الفورِ، مُراجعةً جوهريّةً لـ«المُقاربة» اللبنانيّة لهذا اللجوء.

۰

خريفَ عامِ 2014، باشرتْ "هيّا بنا"، بالشّراكةِ مع مؤسّسة كونراد أديناور، في تنفيذِ مشروعٍ تحتَ عنوان «عن "مواطنينَ" مع وقف التنفيذ ــ "اللجوءُ السوريُّ" على مِحَكِّ الهواجسِ اللبنانيّة».

على ما يُفيدُ العنوانُ حاولَ هذا المشروعُ مُقاربةَ اللجوءِ السوريِّ مَنْ طَرَفِهِ اللبنانيّ، واستطرادًا مَنْ طَرفهِ السوري، لا العَكْس، وفي محاولَتِهِ هذه لَمْ يكتفِ بمساءَلَةِ هذا اللجوء باعتبارِهِ «مُشكلةً»، (إنسانيّةً، إغاثيّةً، أمنيّةً...)، بل باعتباره محنةً مُرَكَّبَةً لبنانيّةً، وسوريّةً، ولبنانيّةً/سوريّةً.

عمليًّا قَضَى المشروعُ بعقدِ عددٍ من اللقاءاتِ الحواريّةِ مع لاجئينَ سوريّينَ في ثلاث مناطقَ لبنانيّةٍ، (الجنوب، الشمال والبقاع)، للوقوفِ مِنْهم، في إطارِ برنامجٍ تدريبيٍّ على التواصِلِ والمدافعةِ، على سَرْديّاتهم لواقِعِ اللجوءِ وآفاقِهِ كما قضى بعقدِ عددٍ من اللقاءاتِ المُوازيةِ مع مجموعةٍ من اللبنانيّينَ واللبنانيّاتِ المعنيّينَ بالشأنِ العامّ والمُنفتحينَ، في مَعْزِلٍ عمّا يَجْنَحونَ إليه من مواقفَ سياسيّة، على نِقاشِ مسألةِ اللجوءِ السوريِّ كـ«استحقاقٍ لبنانيِّ» توصّلًا الى صياغةِ أفكارٍ تَصلُحُ، ولَوْ افتراضيًّا، أن تَنبني عَليها سياساتٌ عامّةٌ ذكيّةٌ تُساهم في احتواءِ هذا اللجوءِ، وفي التّخفيفِ من أعبائِهِ على لبنان وعلى اللاّجئين، ولكن لا تَكتفي بذلكَ فقط، بَلْ تُحاولُ توظيفَ هذا اللجوءِ بِما تستفيدُ منهّ سوريا يَومَ يَعودَ هؤلاءِ اللاّجئونَ إليها، وبِما يُساهمُ في مُراجعةِ العلاقاتِ اللبنانيّةِ/ السوريّة، ورُبّما، بِما ُيلهِمُ اللبنانيّينَ أفكارًا جديدةً في تعاطيهم مع مسألةِ اللجوءِ عامّة.

عَلاوةً على هذهِ اللقاءات تشّخصَتْ مُخرجاتُ هذا المشروعِ على هيئةِ وثائقيٍّ قصيرٍ يَروي اللجوءَ السوريَّ كما عبّرَ عن نفسهِ خلالَ اللقاءاتِ الآنفةِ الذّكر، ومؤتمرٍ عُقَدَ في بيروت ربيعَ عام 2014.

٠

خريفَ عام 2015، جدّدت "هيّا بنا" ومؤسّسة كونراد أديناور الشّراكةَ بينهما في متابعةٍ للمشروعِ السّابقِ تَستأنِسُ بالدروسِ المُستفادةِ منه؛ وفي الطليعةِ من هذهِ الدروس أنّ الحديث على بيّنةٍ عن هذا اللجوءِ ـــ وهو لجوءٌ ليسَ في الأُفقِ ما يُشيرُ إلى أنّه مقبلٌ على أنْ يَضَعَ أوزارهُ عمّا قريب، فضلًا عن أنّ طبيعةَ مُترتَّباتِهِ على العلاقاتِ اللبنانيّة/اللبنانيّة لا تَدَعُ لها أن ترتفِعَ يومَ أن ينتهيَ هو ــ نقول: في الطليعةِ من هذه الدروس أنّ الحديثَ على بيِّنَةٍ عَنْ هذا اللجوءِ باتَ يفترضُ أن تتوفّرَ للحديثِ عَنْهُ محفظةٌ من المُستمسكاتِ ومن الوثائقِ تُتابِعُ المراحِلَ التي مَرَّ بها ويمرُّ، والسجالات التي ترافقهُ، وما إلى ذلك.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم