السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

غضب في طرابلس... أصحاب موّلدات الاشتراكات يبتزون الناس: رفع الأسعار أو العتمة!

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
من مشاهد احتجاجات طرابلس.
من مشاهد احتجاجات طرابلس.
A+ A-

شهدت طرابلس الثلثاء الماضي مظاهر عنف في أحياء التبّانة ومحيطها، إثر انقطاع التيار الكهربائي باستمرار وغياب تغذية المولّد. وأجّج الغضبَ أنباءٌ عن وفاة الطفلة ملكة حموي من منطقة المنكوبين، بسبب أزمة ربو وعدم قدرة أهلها على تشغيل الأوكسجين الاصطناعي، فيما تبيّن أنّ الطفلة حيّة تُرزق بعدما أقدم فاعلو خير وطبيب على تأمين سبل مستدامة لعلاجها.

 

وقد يشكّل خبر الطفلة أو تقنين الكهرباء حجّة استغلت وجع الناس، ليظهر السلاح الذي يستخدمه مأجورون لغايات باتت معروفة في ضرب أمن طرابلس. إلّا أنّ هذه الأفعال "المشبوهة" لا تنفي صحّة لسان حال معظم أهالي طرابلس، بأنها حقاً أكثر المناطق اللبنانية حرماناً من الكهرباء ومعاناتها مضاعفة.

جبل محسن الأوفر بالكهرباء

يمكن القول بأنّ مشكلة مولّدات الكهرباء تعود الى عدة أسباب: أولاً، عدم مراعاة الوضع الاقتصادي المتدهور في طرابلس، الذي ترجمته أرقام الأونيسكو بنسبة فقر 85% بعد الأزمة. ثانياً، تفاوت التسعيرات بين منطقة وأخرى، علماً بأنّ أسعار المازوت موحّدة. ثالثاً، تقنين مولّدات الاشتراك في الليل وخلال ساعات النهار، وقد يبلغ المعدل 12 ساعة يومياً، فيما كهرباء الدولة تُغذّي بمعدل 4 ساعات. رابعاً، الإفلات من المحاسبة، أو ضبط تسعيرات المولّدات وتقنينها الطويل.

وسألت "النهار" مواطنين يقيمون في مناطق مختلفة من طرابلس عن أسعار الاشتراكات وساعات التقنين، فتأكّدت معاناتهم الشحّ الكهربائي، باستثناء مناطق قليلة، فيما يحصل جبل محسن على الخدمة الأوفر من الكهرباء لقاء سعر قليل نسبياً.

 

المواطنة غدير مرعوش من جبل محسن، تخبرنا أنّ المنطقة يغطّيها اشتراك "القاضي" الذي يتقاضى على الأمبير الواحد 60 ألفاً (300 ألف لـ5 أمبير)، ويعتمد نظام تغذية 14 ساعة. أمّا اشتراك "المجذوب" فيتقاضى 65 ألفاً على الأمبير الواحد (325 ألف لـ5 أمبير) ولا يقطع الكهرباء بتاتاً.

وحاولت المواطنة أن تتنعّم باشتراك كهرباء بدون تقنين، إلّا أنّه "كما تجري العادة، الزبائن مقسّمون بين أصحاب المولّدات باتفاق بينهم، ولا يحقّ لأحد أن يقبل بتزويد زبون الآخر".

 

وتنفي ما يتوارد من معلومات عن رفد جبل محسن بصهاريج مازوت معبّأة من سوريا، مضيفة: "ما نعلمه أنّ صاحب اشتراك "المجذوب" خزّن مازوتاً عندما كان السعر رخيصاً، والآن يشتريه من السوق السوداء، وفق ما قال للإعلام".

إزاء العتمة المتمدّدة في طرابلس، يطلق مواطنون صرخات على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات "الواتساب"، تدعو للتمثّل باشتراكات جبل محسن في مقابل تغذية الكهرباء المزرية في مناطقهم.

 

أبي سمراء، الأسوأ

يبدو أنّ محلّة أبي سمراء في نطاقها القديم، تعاني أسوأ تغذية في اشتراكات المولّدات، إذ تشهد من تقنيناً عشوائياً يتركّز في ساعات الفجر والصباح وبعد الظهيرة، بين 8-10 ساعات يومياً، لقاء مبلغ 400 ألف لـ5 أمبير.

أبو شادي أحد المواطنين الغاضبين في أبي سمراء، أطلق صرخة ضدّ "مجرمي المولدات الكهربائية. أحاول يومياً أن أقنع جيراني بأن نتخلّف جميعاً عن دفع بدل الاشتراكات. أنا أدير مقهى والكهرباء دائماً مقطوعة. لا زبائن ولا قدرة على تشغيل ماكينة أسبريسو؛ كيف سأوفيه اشتراكه؟ الحلّ الوحيد هو أن نقاطعه لربما يعرف أنّ الطمع ضارّ ولا يفيد".

ويؤجّج غضب أبو شادي أنّه في منطقة "المنار" التي تشغل المجال الجديد من أبي سمراء، حيث لا تنقطع تغذية المولدات بتاتاً لقاء 500 ألف لـ5 أمبير، ما يشير إلى تفاوت في تسعيرة المولّدات داخل المنطقة الواحدة.

قانونياً، يتّضح أنّه من الصعب ملاحقة أصحاب المولّدات، فالتسعيرة الصادرة عن وزارة الاقتصاد لا تزال ملتبسة وغير محدّدة السقوف، لأنّ مجمل التسعيرة مكوّن من سعر ثابت تضاف إليه مقطوعية شهرية غير محددة، حيث هناك مجال للتلاعب بالأسعار، تُضرب بـ1458.

تفاوت في تسعيرات المناطق

وتنعكس هذه الرخاوة على تفاوت التسعيرات والتقنينات في المناطق ونرصدها كما يلي:

- في الزاهرية، تقول المواطنة دنيا سنكري بأنّ "كهرباء الاشتراك لا تنقطع بتاتاً، فيتقاضى صاحب المولّد ويدعى "الطرابلسي"، 100 ألف عن كلّ أمبير ولا يقطع الكهرباء. كما يستطيع المشترك اعتماد العدّاد، وقد بلغت فاتورتي الشهر الماضي 182 ألفاً فقط".

- في منطقة الضم والفرز، يتحدث الأستاذ الجامعي الدكتور بلال حفار بتهكّم عن "تضحية كبيرة لأصحاب مولّدات"، ويتقاضون 625 ألف ليرة لكل 5 أمبير.

- في منطقة القبة، تدفع المواطنة صفاء المصري 100 ألف لكل أمبير ولا انقطاع بتاتاً للكهرباء.

- في شارع عزمي، يتقاضى صاحب مولّد 400 ألف لكل 5 أمبير، إنّما "تبقى الكهرباء مقطوعة طيلة فترة ما بعد الظهيرة، لأنّ صاحب المولّد يريد إراحة الموتير على حدّ زعمه"، تشكو إحدى المواطنات.

البلدية: قدرات ضعيفة

مع ارتفاع المعاناة وغياب الضوابط، يقول رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق لـ"النهار" بأنّ "البلدية حاولت جاهدة وضع حدّ لانتهاكات أصحاب المولّدات، لكن تبيّن أنّ من الصعب جدّاً ضبط الأسعار ومراقبتها، وقد تخطّى عدد المولّدات في طرابلس 550 مولّداً، وفق الإحصاء الذي قامت به البلدية".

وتحدّث عن اجتماعات عدّة عقدها مع أصحاب المولّدات بهدف خفض تعريفات الاشتراك، إلّا أنّهم "اعتمدوا أسلوب المراوغة فقالوا: إن شئتم سلّمناكم مفاتيح المولّدات. وهم يعرفون أنّه لا بديل عنهم للمواطنين، تستطيع البلدية تأمينه".

ويشير يمق إلى أنّ البلديّة سطّرت إنذارات عديدة بحق المخالفين، لكن "عدم إسنادها إلى إجراءات أمنية بحق المخالفين لا يجعلها نافذة، والأمر منوط بالمحافظ"، مضيفاً أنّ ملفّ المولّدات مرتبط بوزارة الاقتصاد والمحافظ وبلدية طرابلس، والأخيرة مواردها ضعيفة لكنّها تجهد في حشدها كلّها والتعاون لغاية تأمين الكهرباء لسكّان طرابلس.

وختم بأنّ "اجتماعات تدور حالياً بين البلدية ووزارة الاقتصاد، ونأمل أن تتوّج بحلّ لهذه الأزمة".

في ضوء ما تقدّم، لا تزال حلول المعنيين غير واضحة، والعوامل التي تلعب ضدّ استقرار تعرفة الاشتراكات متشعّبة وعلى حافة الانفجار، وأوّلها عدم استقرار أسعار الفيول. وإذ تعدّدت الأسباب فالجحيم واحدة؛ ثاني أكبر مدينة في لبنان تقبع في العتمة ويختنق أهلها في حرّ الصّيف، وهم لا يأملون بوادر لشفاء هذه الأزمة التي لا تختلف سرديّتها قيد أنملة عن أزمات طرابلس المستعصية والمزمنة.

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم