الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

كيف نفهم الثورة، وماذا نعني بالحريّة وما هي الديمقراطيّة؟

المصدر: النهار - الدكتور سمير عاكوم
في المختصر يمكن تعريف الثورة على أنها انتفاضة ناجحة على "إطار عام مسيطر متعلّق بتسيير أمور المواطنين أثبت فشله وعدم قابليته للحياة"
في المختصر يمكن تعريف الثورة على أنها انتفاضة ناجحة على "إطار عام مسيطر متعلّق بتسيير أمور المواطنين أثبت فشله وعدم قابليته للحياة"
A+ A-
في المختصر يمكن تعريف الثورة على أنها انتفاضة ناجحة على "إطار عام مسيطر متعلّق بتسيير أمور المواطنين أثبت فشله وعدم قابليته للحياة"، وبالتالي هي قدرة القوى الثوريّة والتغييرية على تحقيق طرح وبناء إطار آخر بديل من شأنه الاستجابة لتطلّعات الشعب وتوجيهه باتّجاه "مسار مستقبليّ ناجح".
علينا التفريق ما بين النمط الثوري الإيجابي والنمط الاعتراضي والمطلبي، فالأول متعلق بمشروع تغييري والثاني والثالث متعلقان بالضغط من أجل زيادة المكاسب من السلطة القائمة، أو الضغط عليها لإضعافها والوصول الى مرحلة الشراكة معها، أو حتى السعي لتحطيمها والحلول مكانها والاستئثار بالإمكانيات وبالقرارات. ولعلّ مشكلة العديد من الثورات بما فيها ثورات عربيّة أنّها لم تأخذ مكانها كمشروع تغييري هدفه تقديم الأفضل للأوطان، بل بقيت في دائرة الاعتراض لزيادة المكاسب، وقد انحرف بعضها نحو الاتجاه الثالث أي القضاء على السلطة ومتابعة مسيرة السلطة البائدة بوجوه جديدة قليلة الخبرة متعطشة للهيمنة والاستئثار ولكن بألوان وشعارات مختلفة.
من هنا نعتبر أنّ الثورة هي حاجة حقيقية وهي مرتبطة بمشروع تغييري متكامل، يستفيد من معظم نقاط القوة الموجودة ويوجهها من أجل تحقيق بناء إطار جديد يؤمّن مصلحة كلّ الشعب ويحاسب كلّ الفاسدين، ويعيد بناء المؤسسات بشكل حديث ومتقدّم. هذا ما يجعلنا نؤمن أنّ ثورة 17 تشرين هي ثورة تغييريّة تهدف الى الخروج من حكم الزعامات الميليشياوية والمالية المرتبطة بالخارج، ومن المصالح الخاصة لهذه الزعامات الى رحاب حكم المؤسسات الدستوريّة وحكم القانون والمنطق والعلم والإدارة الحديثة المتكاملة مع بنية مؤسسات انتاجيّة تحقق الرفاهية الاجتماعية لكلّ الشعب، وصولًا الى إخراج لبنان من أزماته المستعصية التي تسببت بها منظومة المحاصصة الفاسدة.
أمّا بشأن الحريّة، فنعني بها الحريّة المسؤولة، التي تعطي المواطن حقوقه وتؤمّن حمايته الاجتماعية والأمنية ليعيش حريته بمسؤولية ووعي، من دون استغلال للإساءة الى حقوق وحريات الآخرين، إذًا الحرية هي بحدود تحقيق مصلحة الفرد ضمن مجتمع متكامل، متضامن ويقدّس المصلحة العامة، وفي كثير من الأحيان يقدم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويمنع جشع الاستغلال لمبادئ الحريّة. سبق أن عبّر صديق لي يعيش في بلد يضمن الحريات بأنّ أهمّ ما يجب تعلّمه قبل الاستقرار في هذا البلد، أنّ المحرمات الأساسية هو التعدّي على الأملاك والحقوق العامة أكثر من التعدّي على الحقوق الخاصة.
نصل الى ما له علاقة بالديمقراطية، فالديمقراطية هي حكم الفكرة الأمثل التي يتم تبنيها من الأكثرية المراقبة وتمتلك قدرة المحاسبة عبر صناديق الاقتراع بما يؤمّن مصلحة كلّ الوطن، وبالتالي تختلف هذه الديمقراطيّة عن حكم الأكثرية القبائلية التي تستغل تفوقها العددي لتحقيق استعلاء "قوة العدد والإمكانيات" لتتحكّم بباقي مكوّنات المجتمع وتمارس عنصريتها وساديتها على الآخرين. وسبق أن أطلقت أحد أهم القيادات الديمقراطية في العالم على هذه الديمقراطية الناجحة اسم "ديمقراطية المعرفة والمشاركة".
من هنا نجد أنّ المفاهيم الحقيقية للثورة والحرية والديمقراطية هي أساس أي مشروع تغييري حقيقي في لبنان، فحكم الزعامات قد انتهى، ومن غير المسموح استبداله بحكم الأزلام والتبعيات و"هوبرات البلطجة" وقانون تحكّم زعران الزواريب برقاب المواطن المسالم.
آن أوان بناء دولة دستورية راعيّة وقوية، وآن أوان الدفع بكلّ أصحاب الكفاءة ليأخذوا مكانهم في المشروع التغييري الواعد، والضرب بيد من حديد على كلّ من يعتبر أنّ "هوبرته" هي الأساس في قمع أصحاب الفكر والأخلاقيّة الوطنية والإنسانية الجامعة، ومن غير المسموح أن يُسمح للعملة الرديئة بطرد العملة الجيدة من الحياة السياسية والاجتماعية والسياسية.
الانفتاح يحتاج الى وعي وأخلاقية، والتنوّع يتطلّب قدرات فكرية تناقش بالعمق ومن خلال معايير علميّة، ونصّ قوانين تطبيقية للدستور يتطلب معرفة قيمية وعلميّة بكلّ ما له علاقة باستقلالية القضاء، اللامركزية الإداريّة، بناء السلطات والفصل بينها لتحقيق تكامل فاعل وغيرها الكثير، والإيمان الحقيقي يتطلب الانفتاح على كلّ الطاقات وجمعها وتحقيق ترابط بينها من أجل بناء هذا المشروع الوطني المتكامل، وصولًا الى مشروع "لبنان بلد الاستثمار بغنى التنوّع وهمزة وصل بين دول المعمورة"، والشعب الحرّ المسؤول الرافض للعنصرية بكافة ألوانها وأشكالها.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم