الثلاثاء - 30 نيسان 2024

إعلان

هواجس عتمة الليل

المصدر: النهار - سعد نسيب عطاالله
لم أكن يوماً من المصابين برُهاب عتمة الليل
لم أكن يوماً من المصابين برُهاب عتمة الليل
A+ A-
لم أكن يوماً من المصابين برُهاب عتمة الليل، ولا أزال على هذا المنوال، لكن إحساسي بإهانة مافيات المولدات لكل مخلوق بشري، يستفزّ كرامتي، وعزَتي، ويثير رفضي الرضوخ إلى طامع جاهل، ومستغل قاتل!
لم أكن يوماً من الذين يصحون من نومهم قبل صياح الديك، لكنني أصبحت بعد الانقطاع الليلي المتواصل للتيار الكهربائي بعد كل منتصف ليل حالك، من الذين لا تغمض عيونهم، وتقضّ مضاجعهم أفكار متناقضة، لا تهدأ ولا يستقرّ لها قرار!
يتصدر الأرق الكابوس الطويل الذي لا ينتهي قبل بزوغ نور الفجر، ولا يضمحل القلق قبل أن ينهك جسدي المرهق من الاستلقاء القسري الطويل!
تأخذني الأفكار إلى صحراء اللاأمل، المترامية على كل مفاصل هذا الوطن "الكيان"، "المتشلّعة" والمتخلّعة،
المتساقطة، والمتهابطة بعضها فوق بعض!
تأخذني هواجسي بداية، إلى الهياكل البشرية، المدنية والأمنية، القابضة على قرار السلطة، الخاوية من كل شعور إنساني، أو ضمير مهني، أو قيم أخلاقية!
تأخذني إلى عديد الأجهزة الأمنية، الذين لا يتوفر لهم حتى القليل من قوتهم وفتات قوت عائلاتهم!
تأخذني الى "أسماك القرش"، إلى وكلاء استيراد المواد الغذائية، والأدوية، والمحروقات، الذين لم يشبعوا من امتصاص دماء الناس الجوعى المعوزين، والمرضى المساكين، المتروكين لمصيرهم العدمي القاتل!
تأخذني إلى أصحاب المولدات الكهربائية، والصيدليات، ومحطات الوقود، والسوبرماركت، وحوانيت الأحياء الفقيرة، الذين ينهشون كل ما تبقى على الهياكل البشرية، من بدن وعظام!
تأخذني إلى الجسم الطبي، إلى أصحاب المستشفيات والأطباء!
تأخذني إلى المتحكمين بالمال العام، وبأموال المودعين وإلى أدواتهم من الصرافين، ومافيات منصات تسعير قيمة صرف الدولار الأسود، وأعجب كيف أنهم لا يشبعون مما لا يؤكل ولا يهضم، إنما يحرق "يابس وأخضر" كل الوجود البشري الحي!
تأخذني هواجسي تحديداً إلى هذا الإنسان الذي دخل إلى أحد المصارف في منطقة البقاع، وانتزع حقه بقوة عزمه وعزيمته، في كيان القطعان البشرية بامتياز، وأودع السجن ظلما وبهتاناً.
تخطفني هواجسي الرافضة إلى تصورات وتمنيات ثورية إفرادية، من شأنها استعادة حقوقها الأساسية، من مأكل ومشرب كريم، وتداوي مجاني سليم.
لقد أفقدني انقطاع التيار الكهربائي الدائم راحة نومي، وأفقدني نشاطي اليومي الموعود، وجعل مني كائناً مسلوباً من حق المثابرة للإنتاج، ورماني في أودية الكسل والضياع والفراغ!
لا يحصل ذلك لي فقط، بل لغالبية القاطنين في هذا الكيان المسخ، الذين يتحكم في وجودهم، على مدى عقود سوداء، حثالة من المخلوقات البشرية الأشرار!
لا يزال الليل بعيداً عن الفجر، وعلي التوقف عن الكتابة على ضوء لوحة مفاتيح الهاتف، التي أنهكت بصري وأشعلت بصيرتي، وما بدلت في قولي تبديلاً، وإنما على الله القوي القدير التوكيل!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم