الأربعاء - 01 أيار 2024

إعلان

فخّ التصويت لجهنّم في ورقة بيضاء

المصدر: النهار - نعمت كريدلي
منذ تأسيس لبنان والقانون الانتخابي يعتمد النظام الأكثريّ الذي ساهم في احتكار الأصوات وتفرّد بعض الأحزاب بمسار صنع القرار
منذ تأسيس لبنان والقانون الانتخابي يعتمد النظام الأكثريّ الذي ساهم في احتكار الأصوات وتفرّد بعض الأحزاب بمسار صنع القرار
A+ A-
منذ تأسيس لبنان والقانون الانتخابي يعتمد النظام الأكثريّ الذي ساهم في احتكار الأصوات وتفرّد بعض الأحزاب بمسار صنع القرار، حتى العام 2017، حينأقر المجلس النيابي اللبناني قانونا جديدا للإنتخابات النيابية يعتمد النظام النسبيّ، ويقسم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، بالإضافة إلى إقرار الصوت التفضيليّ على أساس حسابات سياسية. وعلى الرغم من اعتبار القانون النسبي الجديد خطوة مهمة نحو إعادة إحياء الصوت الشعبيّ وتمثيل الأقليات، إلّا أنّ الجهل ببعض دهاليزه التي هندسها زعماء الطوائف يمكن أن يؤدّي إلى إعادة إنتاج جهنّم.
أبرز ما يميّز القانون الانتخابي الجديد مبدأ النسبية الذي يسمح بفوز أكثر من لائحة بنسب مختلفة في كلّ دائرة. وقد قسّم القانون الانتخابي لبنان إلى 15 دائرة بحيث اعتمد التقسيم على حسابات حزبية وطائفية. هذا ما يؤكّده المستشار القانوني والأستاذ الجامعي علي مراد في ما يتعلّق بغياب "وحدة معايير لتقسيم الدوائر من جهة، وعدم المساواة في عدد المقاعد، وبالتالي في قوّة الصوت الانتخابي لكلّ مواطن"، من جهة أخرى، إن تقسيم بعض الدوائر الكبرى إلى دوائر صغرى يؤدّي إلى انحصار حقّ ناخبي الدوائر الصغرى "بإعطاء صوتهم التفضيلي لأحد مرشّحيها حصراً". فعلى سبيل المثال، محافظة عكار اعتبرت دائرة انتخابية كبرى، أمّا محافظة النبطية فقد قسّمت إلى ثلاث دوائر صغرى؛ قضاء بعبدا صنّف كدائرة كبرى، أمّا قضاء صيدا فقد قسّم إلى دائرتين كبريين: دائرة صيدا / جزين ودائرة صور/ الزهراني. هذا التقسيم العشوائيّ للدوائر يضمن لأحزاب السلطة فعالية وعدم فعالية الصوت التفضيليّ لصالح عودتهم إلى المشهد السياسي.
إضافة إلى ذلك، تتمّ عملية التصويت من خلال أوراق اقتراع رسمية مطبوعة سلفاً، تضعها وزارة الداخلية والبلديات وتشمل أسماء اللوائح والأعضاء. أمّا في ما يتعلق بخطورة الورقة البيضاء في القانون الانتخابي الجديد، فإنّ عملية تحديد الحاصل الانتخابي في المرحلة الأولى من الفرز توضح تأثيرها على توزيع المقاعد.
أوّلاً، الورقة البيضاء في القانون الانتخابي هي قسيمة الاقتراع (ورقة اللوائح المرشحة)، التي تعطى للناخب من قبل رئيس القلم والتي توضع في صندوق الاقتراع من دون اختيار أيّ لائحة أو صوت تفضيليّ. أمّا الورقة البيضاء العادية الفارغة فتعتبر في القانون ورقة ملغاة ولا تؤثر على الحاصل الانتخابي على عكس الورقة البيضاء الرسمية (فسيمة الاقتراع كما هي)، والتي تؤثّر بشكل مباشر على توزيع المقاعد في كلّ دائرة كبرى. يوضح المستشار القانونيّ علي مراد علاقة الحاصل الانتخابي بالأوراق البيضاء من خلال المعادلة التالية: الحاصل الانتخابي =عدد الأصوات الصحيحة + عدد الأوراق البيضاء / عدد المقاعد في الدائرة الكبرى. وبذلك، يتمّ التنافس بين اللوائح على أساس نتيجة الحاصل الانتخابي، فاللائحة التي لا يتعدّى مجموع حاصلها نتيجة الحاصل الانتخابي لا تتأهل للمرحلة الثانية، وهي تحديد الأصوات التفضيلية. لنفرض مثلاً أنّ عدد الأصوات الصحيحة في دائرة ما 65000، وعدد الأوراق البيضاء 5000، وعدد المقاعد في هذه الدائرة الكبرى 5 مقاعد، فيكون الحاصل الانتخابي 14000 (65000+ 5000/5). وبالتالي فإنّ الحدّ الأدنى للعتبة الانتخابية هو 14000 لتتأهل اللوائح للمرحلة الثانية من خلال قسمة عدد الأصوات التي حازت عليها اللائحة على الحاصل الانتخابي لتحديد عدد المقاعد الخاصة بها. فإذا حصلت لائحة ما على 30000 صوت مثلاً تكسب مقعدين (30000÷ 14000= 2.14)، أمّا بالنسبة للكسور فتربح اللوائح مقاعد إضافية من الكسر الأعلى إلى الأدنى في حال بقيت مقاعد غير موزّعة.
والآن دخلت اللوائح في السباق للفوز بالأصوات التفضيلية بهدف تحديد أسماء الفائزين في كلّ لائحة، وتتمّ هذه العملية من خلال قسمة الأصوات التفضيلية لكلّ مرشح على مجموع الأصوات التفضيلية في القضاء المرشح فيه. وبعدها يتمّ ترتيب الأسماء من الأعلى إلى الأدنى حسب النسب التي حصلوا عليها بمعزل عن اللوائح.
لذلك على المعارضة الوطنية المستقلّة وقوى الثورة أن تبدأ فوراً بتنظيم لوائح موحّدة على مستوى الدوائر، وأن تحرص على ترشيح أسماء من كلّ المذاهب في اللائحة نفسها لضمان نسبة معيّنة من المقاعد. على التغييريين المستقلين أن يجتهدوا للوصول إلى مراكز صنع القرار ضمن القانون الانتخابي الحالي، فالسلطة لن تفصّل قانوناً على قياس معارضيها على حدّ قول المستشار القانونيّ علي مراد. وبالرغم من عدم وجود هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، وعدم وضع معايير عادلة لضبط الإنفاق الانتخابي والتهرب من تحديد كوتا نسائية موقّتة، إلّا أنّ النسبية تعتبر قفزة نوعية في تاريخ لبنان السياسي يمكن أن تمهّد لبناء دولة القانون والمؤسسات، إذا أتقنت القوى التغييرية المستقلة فنّ توحيد الجهود ضمن لوائح قادرة على الصمود في أرجوحة النسبية، ومهارة عدم الانزلاق نحو برلمان جهنّمي جديد.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم