الأربعاء - 08 أيار 2024

إعلان

شيرين أبو عاقلة... نحن أيضًا أمكر التجّار!

المصدر: النهار - نبيل مملوك
طبعًا ليست الصحافيّة أو الإعلاميّة الأولى التي تُستشهد في سبيل تأدية الواجب الإعلامي أو الرسالة المهنيّة
طبعًا ليست الصحافيّة أو الإعلاميّة الأولى التي تُستشهد في سبيل تأدية الواجب الإعلامي أو الرسالة المهنيّة
A+ A-
طبعًا ليست الصحافيّة أو الإعلاميّة الأولى التي تُستشهد في سبيل تأدية الواجب الإعلامي أو الرسالة المهنيّة، لكننا لا نُنكر أن وقع اغتيالها الدمويّ سيعلق كالرّنين في حلمة أذن السماء اليُمنى... حيث الحق والجهاد والمثابرة والصدق والكثير من مفردات معاجم الطوباوية والمثاليّة التي باتت أساطير في وقتنا الراهن. المسألة ليست استشهاد شيرين أبو عاقلة بقدر ما هي مسألة جماعة أو جمهور... تحديدًا جمهور الضادّ، وجمهور اقرأ، الذي قسّم نفسه كالعادة إلى فرق ومجموعات تتغنّى بانتشاءٍ بإيقاعها الأيدولوجي وموقفها من واقعة الاستشهاد؛ فمنهم من حرّم الترحّم على زميلتنا المغدورة برصاص كيان وقحٍ مغتصبٍ للحياة والأرض لكونها نصرانيّة، ومن أهل الكفر والشّرك والضّلال. وهذه الطائفة من المنظّرين لا داعي لنقد فكرهم أو شتات اعتقادهم لسببين: الأوّل بديهيّ، وهو مبني على المثل القائل "الحكي ببلاش وكلّ شي ببلاش كتّر منو"، والثاني شخصيّ، وهو أنّني أعاني من تقرّحات عاطفيّة ونوبات أرق، إزاء كلّ ما تفزره التيّارات الدينيّة ومشتقاتها المتطرّفة. كيف لا؟ ولم نجد أيّ تيّار دينيّ يبني رقعته على ترغيب مقنع... حتى باتت بصرف النّظر عن هويّتها الدينيّة إرهابيّة بنظر شعوب العالمين الأول والثاني.
أما الحزب الثاني فهو حزب الصحافيين المتأثرين فعلاً بوفاة أستاذة لامعة في مجال الصوت والصورة والكلمة، المرأة التي أعطت دمها لتروي أرض مريم والمسيح ومحمد (ص) بعد عطش مالح رشّه الرأي العام العالمي، حين وضع فلسطين في أدراج القضايا الصغرى أو تحت رحمة البقع السوداء..
شئنا أم أبينا، فإنّ تأثّر أغلب الإعلاميّين والصحافيّين والعاملين في قطاعات السّلطة الرابعة هو وثيقة صادقة لا محال... خاصة أن الشهداء على "مسرحة" استشهاد أبو عاقلة قد عرفوا الموت، وعرّفونا إيّاه، كيلا نبقى نيامًا، بل ننتبه، عملاً بالحديث الشريف" النّاس نيام إذا ماتوا انتبهوا"....
أما الشريحة الثالثة فهي" شريحة الغاب"، التي نصّت بقيم النفاق والمتاجرة والتباهي والنرجسية... اليوم استشهدت شيرين الكلّ، وبات يعرفها ويحبّها. أقسم بالله - أنا كاتب هذا المقال - لم أعرفها، وقبل أن تقولوا: ولوووووو، صحافي وما بتعرفها؟! نعم لم أعرفها قطّ، لأنّني بعيد من وسخ المعضلات وغرف السياسة، فجهلت الكثير من الأساتذة؛ بعيد من نفاقكم ومن ركوب الترندات لحصد اللايكات والتعليقات؛ بعيدٌ من المتاجرة بفلسطين أو الانتساب إلى حزب أو أحزاب تتّخذ الجليل شمّاعة لأهدافها السياسيّة؛ بعيدٌ من الشاشة الزرقاء، التي نخرت عقولنا وعوّدتنا على استجرار الحدث حتى تُنسينا إيّاه أو ربّما ننساه.
سيُفهم من كلامي أنّني أعمّم فليكن...!
شيرين أبو عاقلة وقعت اسمًا كغسان كنفاني، وجبران تويني، وسمير قصير ولقمان سليم و...و... و... و... ضحيّة أنامل لا تحترف سوى تقليم النوايا... نعم تقليم النوايا حتى تختفي... اليوم نتذكّرك يا شيرين، نترحّم عليك، نبكيكِ، لكن غدًا يوم آخر...
سنتذكّركِ؟ أخشى القول لا، فأُرجم...كأنّني لم أتُبْ... بعضهم بحث بكلّ وقاحة تحت ظلال استشهادك، وأخرج أرنب القضية كأنّه السّاحر، كأنّه "الشيخ حسني" في رواية إبراهيم أصلان "مالك الحزين"، الذي وجد نفسه حين فقد بصره. البعض صار يهديها القصائد والأغاني، وهنا الإشكالية. كيف تزحف الإنسانية نحو المقصود بالرّغم من سور الغربة عبر قصيدة أو نصّ نثريّ بديع؟
لا ندري. الإجابة معقّدة، خاصة أننا نرثي الأنبياء والأولياء لمجرّد أنّ الله عُرف منذ أكثر من ١٤٠٠ سنة بالعقل؟!

شيرين أبو عاقلة سامحينا، نسينا كلّ القضايا، ولم نتذكّرها إلا حين رحلتِ... سامحينا لأننا لم نكن واضحين تجاه أنفسنا، لم نختبر مقدار ارتجال الشرّ والاعتراف به، سامحينا... لأننا فرّطنا بكثير من القضايا...
سامحينا والشهداء، فنحن أيضًا تجّار... بل أمكر التجّار.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم