السبت - 11 أيار 2024

إعلان

آبار الفساد في لبنان بلا قعر

المصدر: النهار - نعمت كريدلي
المواطن اللبناني فيسقط كل يوم في مئات الآبار الجهنمية عن سبق إصرار وترصد
المواطن اللبناني فيسقط كل يوم في مئات الآبار الجهنمية عن سبق إصرار وترصد
A+ A-
ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بخبر وقوع الطفل المغربي ريان في بئر منذ أيام قليلة وتتبع العالم العربي الحدث آملا بنجدة هذا الكائن الملائكي من وحشة الظلام؛ ذلك الظلام الذي حاصر بلادنا العربية وخاصة وطننا لبنان. وبالرغم من بذل الجهات المغربية الرسمية جهودا جبارة لإنقاذه، رحل ريان إلى ينبوع النور وبقي لبنان في قعر الجحيم.
الطفل ريان سقط في بئر واحدة في حادثة قضاء وقدر، أما المواطن اللبناني فيسقط كل يوم في مئات الآبار الجهنمية عن سبق إصرار وترصد. يتميز لبنان اليوم بتنوع آبار الفساد: بئر التربية والتعليم، حيث وصل راتب الأساتذة إلى حضيض لقمة العيش وبئر الصحة الذي انقض على أنفاس الشعب اللبناني فبات الموت علاجه الأقل تكلفة وبئر النفايات الذي لا زال يطمر أشلاء الصفقات والمحسوبيات وبئر الطاقة الذي امتص نصف أشعة خزينة الدولة ولا زال مظلماً.
آبار وآبار من الفساد في قعرها دهاليز تتصل ببعضها البعض لتشكل شبكة عنكبوتية عملاقة مركزها زعماء الطوائف والمافيا السيادينية. ولعل البئر الأثمن اليوم لهذه الشبكة هي بئر الدولرة، وما أدراك ما الدولرة. قل لي كيف تأتي بالدولارات، أقل لك من أنت. إنها قضية الإتجار بأعصاب شعب بأكمله. السلطات الرسمية غائبة عمداً عن مراقبة ومحاسبة تجار الآبار الجهنمية؛ أسعار السلع الأساسية في ارتفاع مستمر مدعوم من قبل الأحزاب الطائفية التي بدورها تجمع بقايا أرباحها في صناديق إعاشة وترشها على نعوش المواطن الساذج قبل عرسها الانتخابي.
المصارف والمصرف المركزي يمتلكون بئراً من نوع آخر؛ بئر استنزاف الدولارات من بيوت اللبنانيين وتحقيق أرباح خيالية لا تمت للمنطق والأخلاق بصلة. ناهيك عن تمرير دولارات مهترئة للمواطنين لا يمكن صرفها في أي مكان إلا البئر نفسه بنصف القيمة.
أخيراً وليس آخراً، بئر السيادينين التي ومن خلال سلطة الأديان تضمن الرضوخ السياسي للعقول المغيبة وتفرض الصبر على المساكين والبصيرة على التائهين في دهاليز الفساد. يقول أحد السيادينيين: "إن انتخاب مرشحينا هو تكليف شرعي". يذكرنا هذا الخطاب بالعهود القديمة حيث كان الفرعون يقتع الناس بأنه الإله وما هم إلا عبيد له. ومع تطور الحضارات أصبح الملك أو السلطان يقنع الناس أن الله قد اختاره ليحكمهم وما عليهم سوى الطاعة والولاء من دون تفكير.
إلى كل الصابرين على الفساد في هذه الأرض، لا تتأملوا أن ترتقي أرواحكم إلى فردوس السماء كما ارتقت روح ريان؛ بصمتكم هذا ستعيشون جهنم مرتين: مرة في آبار الفساد ومرة في بئر الشيطان الأخرس.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم