الخميس - 02 أيار 2024

إعلان

بين الوعد والموعد ضاع البلد

المصدر: النهار - راوية المصري
الالتزام بالمواعيد من أهمّ الأمور في الحياة الاجتماعيّة والعمليّة
الالتزام بالمواعيد من أهمّ الأمور في الحياة الاجتماعيّة والعمليّة
A+ A-
الالتزام بالمواعيد من أهمّ الأمور في الحياة الاجتماعيّة والعمليّة، وانعدام ثقافة احترام المواعيد تُفقد احترام الأشخاص، سواء أكانوا على موعد رسمي أم اجتماعيّ أو عائليّ، وهذا دليل المصداقيّة في التعامل واحترام الغير، لاستمرار العلاقات بشكل صحيح.
لم اتذكّر موعد ابني عند دكتور الأسنان، من أجل الكشف السنويّ للاطمئنان عن صحّة أسنانه.. تفاجأت باتّصال الممرضة تقول انّ دانيال لم يأتِ على الموعد المحدّد، والآن الساعة الرابعة وخمس دقائق. فات الوقت لاستقباله، لذلك عليك دفع مبلغ 400 كرون، والاتّصال لتحديد موعد جديد.. مع أنّ الكشف والعلاج مجّانيّ للأطفال حتى عمر التاسعة عشرة، ولكن عليّ دفع غرامة بسبب التأخير عن الموعد، وفي بعض الحالات الطرف المتضرّر يرفع دعوى ويربحها، لأنّه أضاع وقت شخص آخر ولم يأتِ، والوقت لا يعوّض..
وأيضًا عند الذهاب من مقاطعة الى أخرى ويتأخّر القطار، يقومون بالتعويض المادّي أو التعويض على الركّاب المتضرّرين من التأخير برحلة مجّانية... احترام المواعيد في الدول المتطوّرة يدخل ضمن إطار السيرة الذاتية عند التقدّم لنَيل وظيفة.
وفي العمل السابق، يضعون علامة استفهام على سلوك الأشخاص وعدم اكتراثهم لأوقات غيرهم. وفي أكثر الحالات تُرفض طلباتهم فيعانون كثيرًا في البحث عن وظائف شاغرة براتب أقلّ، ومواصفات متواضعة، أو ربّما يجدون عملًا بعيدًا عن أماكن سكنهم لساعات...
وعندما يأتي البديل يبلّغونه بالاستغناء عن خدماتهم ليبحثوا عن عمل في مكان آخر...
وفي المدارس برامج تحدّد موعد وصول التلاميذ الى صفوفهم، فإن تأخّر التلميذ دقيقة واحدة تعلم الإدارة الأهل أنّ ابنهم تأخّر عن حصّة بكاملها، ويسجّل ذلك يوميًّا، وعند المرحلة الثانوية يعاني الأهل ليجدوا ثانوية مستواها عالٍ، وحتّى في المرحلة الجامعية وفي العمل لاحقًا، يعاني المتخرّج أيضًا للحصول على وظيفة..
المنافقون ثلاثة: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان. وشُبّه الوقت بالسيف: (إن لم تقطعه قطعك).. ومن لم يحترم الوعد والموعد يفقد احترام المجتمع، سواء أكان من عامة الناس أم ذا مركز بالحكم، وهناك مواعيد ووعود تؤذي شعوبًا بكاملها، كوعود الأحزاب والسياسيين اللبنانيين قبل موعد الانتخابات...
لقد مرّ على الشعب اللبنانيّ الكثير من الوعود الكاذبة، كالعفو العام والكهرباء 24 ساعة، وأرقام الوظائف المبالغ بعددها، بالإضافة الى جعل لبنان سويسرا الشرق. وبعد الانتخابات يتحوّل البلد الى قندهار أو فنزويلّا الشرق. فهؤلاء لم يصدقوا لا في الموعد ولا في الوعد، فكيف يؤتمنون على بلد؟ فأقلّ ما يقال عنهم أنّهم خائنو الوطن والمواطن.. والمضحك المبكي، عندما يسارع ناهبو الأمّة الى البيوت المعدمة، لأخذ صور "السيلفي" مع أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة، ويعدونهم بالمنّ والسلوى.. والمحزن أكثر أنّ الناس تنسى الألم والكذب وتعود لانتخابهم، محتفظين بصور تجمعهم مع منافق مرتشٍ، وهم بقمّة سعادتهم وتباهيهم أمام الجيران بزيارة سارق أموالهم وأحلامهم، مكتفين بالشكوى والحسرة... بعد أن باعوا ضمائرهم بحصص مواد غذائيّة، تكفي أسبوعًا، أو مئة دولار كلّ أربع سنوات لا تكفيهم زيارة طبيب...
في البلدان المتطوّرة، يُقدّم المرشّح مناظرة ويتحدّث عن برنامجه الانتخابيّ والخدمات الذي سوف يقدّمها إذا كان بين الفائزين، والشعب يقرّر من سينتخب بحسب أفضل برنامج. وإن لم يفِ بوعده خلال السنوات التي يتولّى فيها يسقط في المرحلة الثانية.
أمّا عربيًّا، وخاصّة لبنانيًّا، تقضي الشعوب أربع سنوات من الذلّ، وينسون مرارة الفقر والموت على أبواب المستشفيات، ويعاودون انتخابهم ثانيًا وثالثًا ورابعًا بسبب التجييش الطائفي والتحريض الانتخابي، وإفهامهم بالخداع أنّهم مستهدفون، وإن لم تفز لائحتهم المليئة بالكذب والكراهية ستتغلب عليهم الطائفة الأخرى، مع بعض التهويل والتهديد بالعداء والتخوين.
هذا هو برنامجهم الانتخابيّ الذي تفوح منه رائحة الكراهية المجبولة بطعم طائفيّ بغيض...
الانتظار غير محبّب ويُفقد المصداقية وعدم احترام الطرف الآخر... والاستهتار ببعضنا بعضًا...
في بلداننا يقولون عن الذي يأتي محترمًا موعده بأنّه أجنبيّ، فكونوا مثل الأجانب ولا تكونوا مثل عرقوب. فقيمة الوقت من أخلاق الشخص واحترامه للآخرين...
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم