الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

شرعية العادات أم شرعية الأخلاق؟

المصدر: النهار - يوسف علي يوسف – العراق
أن جل ما يُغضب الفرد العربي هو المساس بعاداته وتقاليده التي ورثها عن الأجداد
أن جل ما يُغضب الفرد العربي هو المساس بعاداته وتقاليده التي ورثها عن الأجداد
A+ A-
أن جل ما يُغضب الفرد العربي هو المساس بعاداته وتقاليده التي ورثها عن الأجداد، فلو تعددت أسباب القحط والجوع والأذى يمكنه الصبر والمواصلة والتحمل إلى أن يَقرُب إلى الهلاك ويعتبر ذلك جهاداً في سبيل البقاء ولا يثور لأجله وينتفض لمأساته ومأساة الجيل الذي سينجبه. وإن وصل الحال إلى دينه ويرى أن التطاول كَثّر عليه يبقى متحملاً مدعيًا للدين رب يحميه كما للبيت رب يحميه، فهو لا ينتفض بدافع الجوع والقحط والدين لكنه يثور وينتفض على كل من يتجاوز على أرث الأجداد من أعراف وعادات، وأن ما يعزز هذا الواقع البالي هي الطبيعة القبلية ومن ينشدون على منوالها، ومن الذين يحترمون العادات أكثر من الدين بكثير، لكن هذا يناقض ما جاء به النبي محمد من مبادئ وخلق، فهو دعم عمار بن ياسر وعمر بن الخطاب وبلال وغيرهم وهم ليسوا بقريشيين بل كان أغلبهم من فئة العبيد المستضعفين الذين تستعبدهم قريش، وبطبيعة الحال ما أثاره النبي الأكرم في مجتمع مكة والمدينة لوحده ثورة عظمى في وجه الاستعباد والاستبداد والفرقة الأرستقراطية القرشية وهم أعمامه وأقرب أقربائه بالدم، لكنه وجد أن الأخلاق والإنسانية والدين أسمى وأبقى من العادات والتقاليد وإرث الأجداد.
فهنا شتان بين من يعبد العادات ويتبع الدين من الخارج، عن الذي يحترم عادات الآخرين "الصحيحة" حتى وإن كانوا من فرقته أو من أي فرقة أو جماعة أخرى لكنه يضع الإنسانية والأخلاق والدين في المقام الأول، وهذه أحد أسباب توسع رقعة الاحتلالات في المنطقة العربية وازدياد مستوى الظلم وارتفاع معدل الفقر، أما العادات فلها من يقوم بحمايتها ويفدي الغالي والنفيس في سبيلها.
لذلك نجد أن العادات قد لمع نجمها وأصبحت قمرًا ونجم والدين بدأ بالأفول شيئًا فشيئًا ذلك بسبب كثرة جيش العادات وتمسكهم بها كمبدأ لا مناص منه وقلة جيش الأخلاق والدين، لأن ببساطة أن الأمور الأخلاقية والدينية وما شابهها لا تُغني المفلسين ولا تشبع بطونهم لأن طبيعة هذه الأمور ثابتة لا تتغير ولا تُزيف وأن أي تغيير يطرأ عليها يتضح وجوده كنقطة سوداء في قطن، لكن العادات البالية هي من تُغني هؤلاء المفلسين وتتخم بطونهم وتلبسهم لباس السادة المبجلين على الرغم من سفاهة عقولهم ومعرفة المحيط بهذه السفاهة لذلك تجدهم يحيطون بها من كل جانب، لأن العادات والموروثات أمور قابلة للتزييف والتدليس والإضافة والحذف، وكل شيء فيها قابل للتغيير حسب مصلحة المستفيدين.
إذن المبادئ الأخلاقية أو الدينية بالرغم من كونها عنصراً أصيلاً في كينونة الإنسان إلا أن النظام العربي المستحدث وأقصد منه نظام المجتمعات العربية الحديثة والحديثة جدًا استبدلوا الأخلاق والدين بالعادات والتقاليد وأن أي أمر يمس الأخلاق والدين فهو لا يستحق زحزحة المجتمع من أجله وإعلان حرب ضد المعتدين عليه، على نقيض إرث الأجداد من العادات المجة والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من حاضر الفرد ومستقبله وسبب وجوده في هذه الحياة على الرغم من كونها غير أصيلة في كينونة الإنسان.
ومن هذا ندرك أن المجتمع العربي لا يثور من أجل ما هو أصيل فيه على الرغم من أن دينه يحتم عليه الحركة والوقوف ثائرًا من أجله، بل تجده ثائرًا يستشيط غضبًا من أجل موروثات تزيف ثلثيها وأكثر مع تعاقب الأجيال وحُذف منها وأُضيف عليها وأصبحت كالحكايا الإغريقية التي يتضح الزيف والمبالغة جليًا عليها لكن هناك من يصدق بها ويؤمن بحقيقتها. لكن لو أن الأخلاق تُغني والدين الصحيح يُشبع لأصبحت العادات اليوم تحت الأقدام وأشد متزمتيها تجدهم ذوي خُلق رفيع ويتقدمون الصفوف الأولى في الدين، إلا أنها مجرد مجتمعات غلب على معظمه حب الجاه والسلطان والنفعية من أي سبيل.
إن حقيقة الأمر ليست مخفية عن الجميع، فإن جملة من الأولين في الدين كانوا ذوي جاه وغنى لكن صبغة الدين غلبت عليهم وأغرقت في داخلهم الطبيعة البدوية فأصبحوا يجالسون من كان في السابق عبداً على مائدة واحدة ويتقاسمون أموالهم مع الفقراء والمعدومين من المهاجرين فأصبح بذلك فرد نفعي لا استبدادي بواسطة ماله الذي وجد أن الأخلاق والإنسانية أبقى مما يملك من مال، بهذا نجد أن هؤلاء الأغنياء قبل دخولهم للدين الجديد مترفين متنعمين لكن الدين لم يزد عليهم هذا الترف بل قلل منه والشخص ذاته يدري بهذا الحال لكن الثورة بدأت من نفسه وعليها ثم نقلها إلى محيطه.
بما معناه أن الأخلاق والدين والمبادئ من يمهد الثورة في روح الإنسان لا العادات والتقاليد، لذلك اليوم قَلت الأخلاق وقل الدين وانعدم المبدأ وسطع ضوء العادات وعلى ذلك أيادٍ تعمل بجهد متواصل.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم