الجمعة - 03 أيار 2024

إعلان

"حقوق الإنسان" الغربي و"وجود الإنسان" العربي

المصدر: "النهار"
غسان صليبي
غزة.
غزة.
A+ A-
يحل "اليوم العالمي لحقوق الإنسان" في ١٠ كانون الأول هذه السنة، وكأنه يحمل معه تعديلاً جوهرياً في نصوصه، وكأن المادة الاولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد جرى تعديلها لتصبح على الشكل التالي: "يولد جميع الناس، باستثناء الفلسطينيين، أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء."
 
وكأن المادة الثانية لحقت بالأولى فنصت على أن: "لكلِّ إنسان، باستثناء الإنسان الفلسطيني، حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ على أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلاًّ أو موضوعاً تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعاً لأيِّ قيد آخر على سيادته."
 
هذا الانطباع، لا بل هذه الحقيقة المؤلمة، ترسخت في وعي الرأي العام العربي، وبدأت تنمو، بوتيرة متسارعة، في أوساط الرأي العام الغربي، وذلك نتيجة حرب الابادة التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين في غزة، في ظل صمت وتواطؤ الحكومات الغربية، حيث نشأة ومصدر "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان". ومعروف أن المعنى الذي نعطيه لأي نص يتأثر كثيرا بمصدره، فإذا تغيّرت النظرة إلى المصدر، تغيّرت معها النظرة إلى مضمون النص. فليس سهلا أن تقنع شخصاً بالتمسك بكلام صادر عن جهة تناقضه بأفعالها، كما حاول يسوع المسيح، عندما قال بخصوص الفريسيين: "اسمعوا اقوالهم ولا تفعلوا أفعالهم".
 
خصوصية "حقوق الانسان" انها لا تحتمل استثناءات، فهي متأصلة في كل انسان، كما انها عالمية وغير قابلة للتصرف. أي ان الاستثناء في حال حصوله يضرب الاساس، يهدم البناء بأكمله، ويفقد المبنى كل معناه.
 
الكلام عن "حقوق الانسان" لم يبدأ مع "الإعلان العالمي" سنة ١٩٤٨، ولا مع "الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن"، الذي واكب الثورة الفرنسية سنة ١٧٨٩. بل تبلورت فلسفته قبل ذلك، ولم ترتبط حصرياً بوضعية المواطن، ففي القرن السادس عشر ترافق الكلام عن حقوق الإنسان مع اكتشاف هنود أميركا وبداية نقل السود كعبيد من أفريقيا الى الغرب. فجاءت فكرة "حقوق الانسان" للاعتراض على معاملة هذه الشعوب، أكان ذلك من خلال الاحتلال او الاستعباد. وكم تشبه معاملةُ اسرائيل للشعب الفلسطيني، معاملةَ "الشعب الأبيض" للهنود وللسود، مع تفوق اسرائيلي في المعاملة السيئة، ذلك ان إسرائيل جمعت ممارسات الاحتلال بممارسات التمييز العنصري.
 
من المفترض ان تهدأ النقمة العربية على "حقوق الانسان"، اذا علمنا أن المصدر الفعلي لهذه الحقوق، هو شعوب الدول الغربية وليس حكوماتها، بل ان هذه الحقوق هي ما طرحته هذه الشعوب بوجه حكوماتها وانظمتها عندما كانت تنتهك هذه الحقوق عبر التاريخ. وها هم أحفاد هذه الشعوب يتظاهرون اليوم، باسم حقوق الانسان، احتجاجا على المجازر الإسرائيلية، ويطالبون حكوماتهم بالعمل على وقفها. كما ان موقف الأمم المتحدة، رئيساً واعضاء، أصبح أكثر وضوحاً وانتقاداً لإسرائيل، ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب "انسانية"، حفاظاً على حياة وحقوق الفلسطينيين في غزة.
 
غير أن علاقة الرأي العام العربي بـ"حقوق الانسان" لا تعتمد فقط على موقف الغرب من القضية الفلسطينية، بل على مجموعة من الاعتبارات الخاصة بالمنطقة العربية، تجعل من هذه الحقوق بالإجمال، وللأسف، غير ذات شأن.
 
إن ممارسة "حقوق الانسان" تفترض حداً أدنى من الأمان والاستقرار ينعم به المواطن، فيما يواجه الانسان العربي خطراً وجودياً يطال حياته البيولوجية، في كل من فلسطين وسوريا واليمن والعراق وليبيا، والى حد ما في لبنان.
 
"الانسان العربي"، ليس مهدداً فقط بوجوده الجسدي، بل هو يفتقد بعض عناصر "الوجود المعنوي"، بفعل عوامل مجتمعية ودينية وسياسية.
 
اجتماعياً، تفترض "حقوق الانسان"، اعترافاً بالإنسان كفرد، فيما هو يخضع ويكاد يذوب، في معظم البلدان العربية، في كيان الجماعة، العائلية أو العشائرية أو المذهبية أو الدينية.
 
دينياً، تفترض "حقوق الانسان"، انفصالاً وتمييزاً بين الحقوق الانسانية والحق الإلهي، الذي لا يزال يفرض مفاهيمه في المجتمعات العربية. فإلى جانب "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" هناك "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في الاسلام".
وهي الوثيقة التي تم تحضيرها بواسطة أعضاء منظمة التعاون الإسلامي وتم الإعلان عنها في القاهرة، في الخامس من آب من العام 1990. ولقد كان الهدف المعلن من الوثيقة انشاء نظام حقوق الانسان وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية.
 
سياسياً، ارتبطت مسألة "حقوق الانسان" بحقوق "الانسان المواطن"، والمواطنية لا تجد كامل مقوّماتها في ظل أنظمة عربية استبدادية، لا تعير اهتماماً لحقوق المواطن، بصفته انساناً مستقلاً عن الدولة، يشارك بحرية في قراراتها، في إطار نظام ديمقراطي. ولا عجب في هذه الحالة الا نشهد تحركات شعبية في البلدان العربية، احتجاجاً على الحرب في غزة، بأهمية التحركات الشعبية في البلدان الغربية، حيث المواطنية أصبحت مترسخة عبر الزمن.
 
هذه المعوّقات لـ"حقوق الإنسان" العربي، ليست فقط وليدة بنى مجتمعية وسياسية ودينية عربية، بل هي أيضا من مخلّفات العلاقات الرأسمالية- الاستعمارية العنيفة التي تربط البلدان الغربية بالبلدان العربية. ولا اعتقد بإمكانية تحرير "حقوق الانسان" العربي، بمعزل عن الصراع مع المصالح الرأسمالية- الاستعمارية الغربية، لكن تحت راية "حقوق الانسان" وليس عن طريق معاداتها، تحت راية الاصولية الدينية، المعادية لحرية الانسان.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم