الإثنين - 29 نيسان 2024

إعلان

أوكرانيا سلّة غذاء عالمية: ليحيا مالتوس

المصدر: "النهار"
من المساعدات الألمانية لأوكرانيا (أ ف ب).
من المساعدات الألمانية لأوكرانيا (أ ف ب).
A+ A-


د. أيمن عمر

*أكاديمي وباحث اقتصادي


أعادت الحرب الأوكرانية - الروسية قضيّة الأمن الغذائيّ العالميّ إلى الواجهة كأحد أهمّ القضايا الإنسانيّة، وأنها ستبقى تأتي في سلّم ترتيب الأولويّات البشريّة، خاصة بعد تجبّر الإنسان على الطبيعة وتحدّيه للقوانين الربانيّة فيها، واعتقاده بأنّه يستطيع عبر التكنولوجيا وتطوّراتها، التي تفوق الخيال البشريّ، أن يُواجه هذه القوانين. وفي هذا الإطار، يجب على الحكومات إيلاء هذا الموضوع الأهمية القصوى من الدراسة والبحث والخطط والتنفيذ.
ما هي المالتوسية؟
تعود النظرية إلى القسّ الإنكليزي توماس روبرت مالتوس في كتابه (1798م) "مقالة حول مبدأ السكّان"، من دون ذكر اسمه عليه، والذي ربط مشكلة الفقر بالنمو الديموغرافيّ بمعدّلات تفوق معدّلات نمو المحاصيل الزراعيّة. عندها، يحدث اختلال بين التوازن السكانيّ من جهة وإنتاج الغذاء الكافي لإشباع حاجاتهم من جهة أخرى، ممّا يؤدّي إلى بروز مشكلات اجتماعيّة خطيرة، أهمّها الفقر والجوع. وبرأيه أن البشر يتزايدون كلّ 25 سنة وفقاً لمتوالية هندسيّة (1، 2، 4، 8، 16، 32… إلخ)، وبالمقابل ينمو إنتاج الموارد الغذائيّة وفقاً لمتوالية حسابيّة (1، 2، 3، 4، 5، 6… إلخ) فحسب، بسبب محدودية الأراضي الصالحة للزراعة وتناقص الموارد جراء كثافة الاستغلال؛ الأمر الذي سينجم عنه حروب ومجاعات وتفشّي الأمراض. ويعتبر مالتوس أوّل من نبّه إلى موضوع الأمن الغذائي وأهمّيته في استقرار المجتمعات ضمن نظرية، وإن قارب معالجته بطريقة وُصفت بالتشاؤمية وباقتراح حلول غير علميّة، ولم تأخذ بعين الاعتبار تطوّرات أدوات الإنتاج وتكنولوجيا الزراعة وتطوّر وسائل النقل والتصدير. تعدّدت الانتقادات حولها إلا أنّها تبقى من أهمّ النظريات في مقاربة الأمن الغذائي وتداعياته الاجتماعية.

أوكرانيا ووزنها الغذائي
يُمكن وصف أوكرانيا بأنّها سلّة غذاء عالميّة، بعد أن كانت سلّة غذاء الاتحاد السوفياتيّ سابقاً. تشغل الأراضي الزراعيّة 71.3% من أصل مساحة أوكرانيا، وتتميّز أراضيها بالتربة السّوداء الشّديدة الخصوبة 25% من المساحة العالميّة، وتحتلّ الزراعة المرتبة الثانية من حيث الأهمية بالنسبة إلى اقتصاد أوكرانيا، حيث تُساهم بـ14% من ناتجها المحليّ. وتمثل منتجات القطاع الزراعيّ 45% من إجمالي الصادرات الأوكرانيّة. وتبلغ حصة البلدان الآسيويّة 48.7% من إجمالي الصادرات الزراعية الأوكرانيّة، يليها الاتحاد الأوروبي بنسبة 29%، وأفريقيا بنسبة 12.9%، ورابطة الدول المستقلّة بنسبة 5.8%. أما المستهلكون الرئيسيّون للمنتجات الزراعيّة الأوكرانيّة بشكل عام فهم على الترتيب: الصين، الهند، هولندا، مصر، تركيا، إسبانيا، بولندا، إيطاليا وألمانيا. أمّا في ما يتعلّق بصادرات الحبوب فتبلغ وسطيّاً نحو 50 مليون طن سنوياً، وأبرز الدول المستوردة هي على الترتيب: الصين، مصر ، إندونيسيا، إسبانيا، هولندا، تركيا، تونس، بنغلاديش، كوريا الجنوبية، ليبيا. وتصدّر أوكرانيا نحو 450 ألف طن من اللحوم سنوياً، وهنا تأتي السعودية في مقدّمة الدول المستوردة للحوم الدواجن الأوكرانيّة، تليها على الترتيب: هولندا، الإمارات، بيلاروسيا، أذربيجان، كازاخستان؛ وتمثل حصّة هذه الدول 59% من إجمالي مبيعات اللحوم الأوكرانية في السوق العالمية. تحتلّ أوكرانيا المركز الأول عالمياً في صادرات دوار الشمس وزيته بنسبة 50% من الإنتاج العالميّ، والخامس عالميّاً في تصدير القمح بنسبة 18.1%، والرابع في إنتاج الشّعير وتصديره بنسبة 18%، والخامس في إنتاج الذرة بنسبة 16% ورابع أكبر مصدّر له.

انطلاقاً ممّا تقدّم، ونظراً إلى أهمية أوكرانيا ووزنها العالميّ في إنتاج الغذاء وتصديره، فإنّ الحرب فيها ستنعكس على العالم بأجمع لناحية توافر مكوّنات السلّة الغذائية بالكمّيات المطلوبة للاحتياجات البشريّة، بالإضافة إلى أسعار جميع المنتجات الغذائية من دون استثناء، إضافة إلى استغلال الدول المنتجة للغذاء الظرفَ لتحقيق مزيد من الأرباح.
إن الحرب الأوكرانيّة يجب أن تعيد صياغة جديدة للاقتصاد العالمي والثورات الصناعية التي وصلت إلى المرحلة الرابعة وMetaverse و3D Printing، والعودة إلى أساسيات الاقتصاد وإدارة المجتمعات وهو الأمن الغذائيّ والصحيّ، من منطلق أبجديّات الاقتصاد الأولى: ماذا ننتج؟ وكيف ننتج؟ ولمن ننتج؟ من أجل تحقيق إشباع الحاجات الفطرية والطبيعية للإنسان، والابتعاد عن استحداث حاجات خارج نطاق أهداف الحياة البشرية وفلسفة وجوده في الحياة.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم