الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

السعودية: لماذا إيران؟ لماذا الآن؟

د. خالد محمد باطرفي
الصحف الإيرانية تعلّق على التفاهم الإيراني- السعودي (أ ف ب).
الصحف الإيرانية تعلّق على التفاهم الإيراني- السعودي (أ ف ب).
A+ A-

مفاجأة سعودية أخرى من العيار الثقيل تشغل العالم من جديد! هذه المرة، المفاجأة سياسية أمنية اقتصادية لم يتوقعها مراقب، في هذا الوقت بالذات، وبهذه السرعة، ومن تلك المنصة!

 

البيان الثلاثي

فالبيان الثلاثي، الصيني، السعودي، الإيراني، صدر من بكين، ونص على عودة إلى اتفاقيات سابقة معطلة، هي اتفاقية عام 1998 الشاملة لكافة مناحي التعاون السياسي والإنمائي والتجاري والاستثماري والتقني، واتفاقية عام 2001 الأمنية التي وقعها الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية الراحل، في طهران، ونصت على التعاون في مكافحة الإرهاب والتهريب والجرائم العابرة للحدود وتسليم المطلوبين وتأمين الممرات المائية.

 

وكلا الاتفاقين نص بوضوح على عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ودعم العناصر المارقة والميليشيات والعصابات المسلحة، واحترام مبادئ السيادة الوطنية، والدفاع عن أمن المنطقة، وتشجيع التعاون بين شعوبها ومكوناتها المجتمعية والعلمية والتقنية والإنمائية، بعيداً عن التعصب الطائفي والعرقي والتحريض على العنف والتمرد.

 

مرحلة التوافق

الاتفاقان ضمنا مرحلة نادرة من التعاون بين البلدين، شهدت زيارات رئاسية للسعودية، وعلاقات وثيقة بين القيادات الإيرانية، كالرئيس علي أكبر رفسنجاني، والرئيس محمد خاتمي، والرئيس أحمدي نجاد، والملك عبدالله بن عبدالعزيز وكبار أركان دولته.

 

وخلال تلك الفترة توقفت إلى حد كبير الممارسات الإيرانية السياسية في الحج والعمرة، وعمليات اغتيال السفراء والدبلوماسيين السعوديين، والدعم المباشر لجماعات طائفية كحزب الله الحجازي وعناصر محرضة على العنف والتقسيم كالشيخ نمر النمر. كما هدأت العواصف الإعلامية والعقائدية والدبلوماسية بين البلدين.

 

مرحلة التحوّل

ثم جاءت نقطة التحول، الغزو الأميركي للعراق، والتعاون الإيراني مع الغزاة في فترة الاحتلال، وتشكيل ميليشيات وجماعات حزبية موالية لطهران، وتمكين حكومة شيعية لموالٍ إيراني، رئيس الوزراء لفترتين، نوري المالكي. وما صاحب ذلك من تحريض على السعودية، واتهامها بدعم الاحتلال الأميركي والإرهاب، وإخراج العراق من الحاضنة العربية والمنظومة الخليجية.

 

كل ذلك، وغيره من السياسات المزعزعة للسلام في المنطقة، والتي بلغت ذروتها باغتيال الرئيس الشهيد، رفيق الحريري، في 2005، بأوامر من طهران ودمشق وتنفيذ من حزب الله، أفسد العلاقات بين ضفتي الخليج العربي، حتى وصلنا إلى مرحلة الحرب بالوكالة، والاستهداف المباشر، وغير المباشر، بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية لمدن ومواقع اقتصادية وحيوية في السعودية والإمارات واليمن.

 

عام الاغتيال والافتراق

وهكذا كان عام اغتيال الحريري هو العام الذي تعطلت فيه ماكنة العلاقة بين إيران والسعودية، وتوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة بينهما، وتصاعد الخلاف حتى وصل الأمر إلى حرق السفارة السعودية في طهران، واحتلال القنصلية في مشهد، وقطع العلاقات بشكل كامل، وسحب البعثات الدبلوماسية، في عام 2016.

 

ومنذ ذلك التاريخ، زادت حدة الصراع على خلفية موقف السعودية من البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، وحربها الدامية مع الميليشيات الإيرانية في اليمن، وتعرضها لعمليات تهريب مخدرات بالأطنان، وتحريض مستمر للطائفة الشيعية، ودعم إيراني للجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة. عمليات أفشلتها وطنية أبناء المملكة بمختلف مذاهبهم، ويقظة رجال الأمن والحدود والجمارك، وتعاون المواطن في حفظ أمن بلاده.

 

ماقبل البيان

ورغم جولات الحوار التي تمت بين البلدين بوساطة العراق وعمان، إلا أن أحداً لم يتوقع تقدماً سريعاً بهذا الحجم. فمن ناحية كانت المفاوضات تنتهي بدون إعلان عن توافق، ولم يتجاوز التمثيل فيها مستوى قيادات أمنية واستخبارية ودبلوماسية لم ترقَ إلى وزارية.

 

ومن ناحية أخرى، فإن الخلافات على كافة الملفات البينية والعربية والدولية لم تشهد حلحلة أو تقدماً ملموساً. فالحالة اليمنية مكانك سر، والحالة اللبنانية تزداد تعقيداً، والحالة السورية متدهورة. وفيما التزمت السعودية بالحياد الإيجابي في الصراعات الدولية، اختارت إيران المعسكر الشرقي ضد المعسكر الغربي.

 

ولم يتوافق الطرفان إلا على ملف النفط، فقد وافقت إيران على كافة القرارات الجماعية لأوبك وأوبك بلاس، وأيدت القيادة السعودية الروسية في سياساتها لضبط سوق الطاقة الدولي، ومعدلات الإنتاج والتسعير.

 

حيرة المراقبين

لهذه المفارقات وعلى خلفية هذه الاختلافات الجذرية، كان الكل، كما يصف أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، إما "يحك رأسه أو لحيته"، ويبحث عن تفسير، ولنفسه عن تدبير. فاتفاق القوتين الأكبر في المنطقة له تداعيات واسعة ومؤثرة على جمهور كبير، أسماه نصر إلله، "شعوب المنطقة"، وخاصة موالي طهران. وهو يأمل ويتعشم أن لا تكون على حسابهم. سنرى!

 

إعلان نوايا

بنبغي هنا التنوية بأن ما تم هو أقرب إلى إعلان نوايا منه إلى اتفاق رسمي. وما أعلن لا يتجاوز العناوين الرئيسية، بدون الخوض في الملفات والسياسات والقضايا الفرعية.

 

ولا زال العالم بانتظار خارطة الطريق وخطة العمل التفصيلية. ولا زال المعنيون بتداعيات التوافقات من أميركا التي فوجئت كغيرها بالنجاح الذي تحقق، إلى أوروبا وروسيا والأمم المتحدة، وإلى القوى والجماعات الإقليمية الموالية أو الواقعة على ساحة الصراع بين الطرفين، تنتظر ما ستأتي به الأيام من تفاصيل ونتائج ملموسة.

 

تشكيكات مشروعة

كما يتساءل المتشائمون حول مدى التزام إيران باتفاق يحد من نفوذها في المنطقة ومخططاتها التوسعية ومشروعها الأبدي لتصدير الثورة (و الصراعات الداخلية) إلى الخارج.

 

فإن كانت اليوم تحت ضغوط داخلية وخارجية هائلة، توشك على تفجير النظام كله، وبحاجة ماسة إلى فك الخناق والمقاطعة الدولية، فما الذي يضمن التزامها بعد استقرار أمرها وتحسن حالها، وهل التي لم تحترم الاتفاقات السابقة مع الرياض ومع المجتمع الدولي كالاتفاق النووي والبرنامج الصاروخي؟ وهل تستطيع الصين وحدها، رغم علاقاتها الاستراتيجية القوية مع طهران، تقديم هذا الضمان؟

 

هذه أسئلة مشروعة، والإجابة عنها تتطلب معرفة تفاصيل لم تعلن بعد. ولا أجد رداً على من يسألني غير: وهل لديك حل أفضل؟

 

قطار المصالحة

من واجب السعودية في سعيها المتواصل والدؤوب لتصفير المشاكل وتأمين المنطقة والتفرغ لرؤيتها التنموية الكبرى، أن تطرق كل الأبواب وتسلك كل الطرق، وتصافح كل يد ممدودة بالسلام.

 

وقطار المصالحة الذي انطلق من محطة العلا بأهل الخليج، مر بمحطتي بغداد وصنعاء، ولم يتوقف بمحطة أنقرة. فالمحطة المقبلة هي طهران وربما دمشق وبيروت على مبدأ (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا) (وَإِن يُرِيدُوا أن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ).

 

قد تواجه المسيرة عقبات ونكسات، لكن طالما أن مجمل المكاسب أعظم، وأن القطار يمضي في طريقه بمن حضر، ومن التزم، فالاستثمار مجدٍ والمحاولة تستحق.

 

* أستاذ بجامعة الفيصل

@kbatarfi

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم