الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التقرير الفصلي لبنك عوده: 2022 عام التحديات الجمّة في خضم سلسلة من الاستحقاقات السياسية والاقتصادية الداخلية

أسواق بيروت المقفرة بفعل الأزمة الاقتصادية (نبيل إسماعيل).
أسواق بيروت المقفرة بفعل الأزمة الاقتصادية (نبيل إسماعيل).
A+ A-
عام 2021 كان عام التطورات المتقلبة على المستوى السياسي ما أرخى بثقله على النشاط الاقتصادي. بدايةً مع التجاذبات السياسية بشأن التشكيل الحكومي في الفترة الأولى من العام، مروراً بتأليف حكومة الإنقاذ الحالية في أيلول بعد 13 شهراً من المراوحة، وصولاً إلى تعليق جلسات مجلس الوزراء منذ تشرين الأول، إضافةً إلى أحداث الطيونة في سياق ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، إلى الأزمة غير المسبوقة للبنان مع بلدان الخليج العربي في الربع الأخير من العام. من هنا، كان العام 2021 عام اللااستقرار السياسي والذي ترك بصماته على الأوضاع الماكرو-اقتصادية والمالية والنقدية في البلاد.
 
 
في التفاصيل التي أوردها التقرير الفصلي لبنك عوده، أنّ العام الماضي شهد قطاعا الزراعة والصناعة وقطاع التجارة والخدمات ضغوطاً في العام 2021 على الرغم من انفتاح الاقتصادات بعد التخفيف من القيود المرتبطة بجائحة كورونا، والذي ترجم تقلص في الاقتصاد الحقيقي للعام الثاني على التوالي في حين شهدت معظم بلدان العالم وكل بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقريباً نمواً إيجابياً انطلاقاً من قاعدة ضعيفة في العام السابق. إذ من المقدّر أن يكون الاقتصاد الحقيقي في لبنان قد انكمش بنسبة 11% في العام 2021 بعد انكماش نسبته 25% في العام 2020، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. وقد واصل الاستهلاك الأسري تراجعه في ظل التقلص المستمر في المداخيل الحقيقية للأسر. في موازاة ذلك، وصلت المجاميع الاستثمارية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الأهلية بسبب إحجام المستثمرين عن اتخاذ القرارات الاستثمارية في ظل الغموض المهيمن على المشهد السياسي والاقتصادي الداخلي.
 
 
على صعيد القطاع الخارجي، انخفض عجز ميزان المدفوعات من 10.6 مليار دولار في العام 2020 إلى 2.0 مليار دولار في العام 2021. ويعزى التحسن في عجز ميزان المدفوعات لعدة أسباب، أبرزها تراجع الاستيراد، تلقي لبنان حقوق السحب الخاصة به من صندوق النقد الدول، تخفيف سياسة الدعم من قبل مصرف لبنان، ناهيك عن تحسن السيولة المصرفية في الخارج في بداية العام (نتيجة امتثال المصارف لتعميم مصرف لبنان رقم 154 وبيع فروع تابعة لها في الخارج) الأمر الذي عوّض عن استخدام المصارف لسيولتها بالعملات نتيجة امتثالها للتعميم رقم 158. توازياً، استعادت السياحة زخمها نسبياً هذا العام انطلاقاً من قاعدة ضعيفة في العام السابق، إذ زاد عدد المسافرين في المطار بنسبة 75.3% سنوياً في العام 2021.
 
 
على صعيد القطاع العام، أظهرت آخر إحصاءات المالية العامة تحوّلاً إلى فائض مالي في النصف الأول من العام 2021 بقيمة 281 مليار ليرة بالمقارنة مع عجز مالي بقيمة 3352 مليار ليرة في النصف الأول من العام 2020. ويعزى هذا الفائض إلى ارتفاع الإيرادات العامة بنسبة 29.6%، في حين انخفضت النفقات العامة بنسبة 15.3% سنوياً. ولدى استثناء خدمة الدين، تظهر إحصاءات المالية العامة فائضاً أولياً بقيمة 1736 مليار ليرة في النصف الأول من العام 2021 بالمقارنة مع عجز أولي بقيمة 1321 مليار ليرة في الفترة نفسها من العام السابق.
 
 
على صعيد الوضع النقدي، تقلصت الاحتياطيات بالنقد الأجنبي لدى مصرف لبنان بمقدار 6 مليار دولار في العام 2021 في ظل تدخل المركزي في سوق القطع، وتمويل استيراد المنتجات الأساسية. كما سجلت السوق السوداء تدهوراً في سعر صرف الليرة إلى أدنى مستوياته في ظل الغموض السياسي والاقتصادي الراهن والزيادة اللافتة في حجم النقد المتداول والشحّ في الأموال الوافدة. عليه، بلغ التضخم التراكمي 700% بين كانون الأول 2019 وكانون الأول 2021 نتيجة ارتفاع الأسعار الاستهلاكية بنسبة 146% بين كانون الأول 2019 وكانون الأول 2021 وبنسبة 224% بين كانون الأول 2020 وكانون الأول 2021.
 
 
على صعيد القطاع المصرفي، يظهر تحليل العامين الماضيين انخفاضاً في الودائع من 168.4 مليار دولار في تشرين الأول 2019 إلى 129.4 مليار دولار في كانون الأول 2021، أي بنسبة 23%. كما تراجعت التسليفات من 54.2 مليار دولار إلى 27.7 مليار دولار، أي بنسبة 48%. بلغت دولرة الودائع 79.4%، بينما وصلت دولرة التسليفات إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق بنسبة 56.3% في نهاية كانون الأول 2021. على صعيد معدلات الفوائد، تراجع معدل الفائدة على الودائع بالليرة من 9.03% في تشرين الأول 2019 إلى 1.09% في كانون الأول 2021، وعلى الودائع بالعملات من 6.61% في تشرين الأول 2019 إلى 0.19% في كانون الأول 2021. إلى ذلك، وصل الهامش بين معدل الفائدة على الودائع بالعملات والليبور لثلاثة أشهر ما يقارب الصفر (نقطتان أساس) في كانون الأول 2021، مقابل 4.71% في تشرين الأول 2019.
 
 
أما في يتعلّق بأداء أسواق الرساميل اللبنانية، فقد واصلت سوق سندات اليوروبوندز مسلكها التراجعي في العام 2021، في حين سجلت سوق الأسهم قفزات لافتة في الأسعار في ظل الإقبال على شراء الأسهم كنوع من التحوّط تجاه الأزمات. في سوق سندات اليوروبوندز، هوت أسعار سندات الدين الحكومية إلى منحدرٍ جديد حيث بلغت 9.88-10.63 سنتاً للدولار الواحد في نهاية العام 2021 في ظل استمرار الترقب لمسار الحكومة الإصلاحي وبانتظار انطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول السياسيات النقدية والمالية. من ناحية أخرى، سجلت سوق الأسهم ارتفاعاً لافتاً في الأسعار نسبته 48% وسط إقبال لافت من المتعاملين على شراء الأسهم كنوع من التحوّط تجاه الأزمات وتجنباً لاقتطاع على رساميلهم، مع العلم أن أسعار الأسهم مقومة بالدولار المحلي.
 
 
الخلاصة
 
فيما يشهد العام 2022 استحقاقات سياسية بارزة، بدءاً بالانتخابات النيابية إلى الانتخابات البلدية وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية، تبقى التحديات الاقتصادية على قدر من الأهمية أيضاً. إن أبرز التحديات الاقتصادية للعام 2022 تتمحور حول التوصّل الى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي، إقرار قانون الكابيتال كونترول، إقرار مشروع موازنة للعام 2022 متقشف وإصلاحي، احتواء سعر صرف الدولار في السوق السوداء وزيادة التغذية الكهربائية عن طريق استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر توازياً مع تصحيح التعرفة المحلية.
 
 
أولاً، إن موضوع ابرام اتفاق متكامل مع صندوق النقد يعدّ حدثاً تاريخياً في حال حصوله. من هنا، أهمية التوصّل الى أرضية مشتركة مع الصندوق. ان التوصّل الى برنامج مع الصندوق يؤمن انخراط الصندوق في مراقبة تطبيق الإصلاحات الهيكلية والمالية وتنفيذها على خير وجه، ما يؤثر ايجاباً على انخراط الدول المانحة، ويمهّد الطريق امام انعكاس النمط السائد على الصعيد الاقتصادي ووضع حد للضغوط الماكرو- اقتصادية والاجتماعية الضخمة التي ترزح تحتها البلاد منذ عامين. هذا وبعد أن توصّل الفريق المفاوض مع صندوق النقد الدولي الى رقم موحّد للخسائر في القطاع المالي الا وهو 69 مليار دولار، فإن التحدي الأبرز يكمن في كيفية توزيع الخسائر على كافة العملاء الاقتصاديين في سياق خطة تعافي كاملة متكاملة، علماً ان صندوق النقد الدولي يطالب بتوزيع منطقي وعادل للخسائر الإجمالية.
 
 
ثانياً، إنّ إقرار قانون للكابيتال كونترول في البرلمان يعتبر خطوة ضرورية وملحّة وان متأخرة وتشكّل شرط أساسي لأي مسار إصلاحي. اذ لا يمكن للاقتصاد اللبناني ان يعود الى نموه الإيجابي ويستعيد عافيته وينهض من جديد دون قانون للكابيتال كونترول يطبّع النشاط المالي والمصرفي بشكل عام. إن إقرار قانون للكابيتال كونترول هو ضرورة لأي خطة تعافي، وهو في صلب مطالب صندوق النقد الدولي كشرط أساسي لإبرام اتفاق شامل مع لبنان.
 
ثالثاً، تبرز الحاجة لإقرار موازنة متقشفة وإصلاحية للعام 2022 تكون مبنيّة على ضبط الإنفاق وزيادة الإيرادات عن طريق تعزيز نسب الاقتطاع وتحفيز التحصيل الضرائبي بحيث لا تتعدى نسبة العجز المالي الإجمالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتناسب مع متطلبات المؤسسات المرجعية العالمية لاسيما صندوق النقد الدولي.
 
 
رابعاً، إن رفع الدولار الجمركي من السعر الرسمي الحالي يحدّ من الاستيراد وبالتالي العجز التجاري الذي بلغ زهاء 40% من الناتج المحلي السنة الماضية مع خفض مواز للعجز في ميزان المدفوعات مع ما يحمله ذلك من إيجابيات على الموجودات الخارجية الصافية للقطاع المالي. كما يوفر دعم القطاعات المنتجة في لبنان كقطاعي الزراعة والصناعة. ناهيك عن تأثيره على الإيرادات العامة، حيث يحدّ من العجز المالي ومن عملية تنقيد العجز العام من قبل مصرف لبنان. غير أن ذلك يتطلب تعزيز الامتثال الضرائبي ومكافحة التهرب من الرسوم الجمركية.
 
 
أما التحدي الخامس فهو الحد من تدهور سعر صرف الليرة في السوق الموازية. إن سعر صرف الليرة فقد 90% من قيمته منذ تشرين الأول 2019، مع ما استتبع ذلك من ارتفاع في نسب الضخّم في أسعار الاستهلاك تجاوز مستوى تراكمي بحدود 700% في العامين المنصرمين. من هنا أهمية احتواء التفلّت في سعر صرف الدولار عن طريق الحدّ من العوامل التي تقف وراء هذا التدهور، أبرزها الحدّ من خلق النقد بالليرة من قبل مصرف لبنان، علماً ان الكتلة النقدية تجاوزت 45 ألف مليار ليرة مع نهاية العام 2021، وتحفيز حركة الأموال الوافدة بالدولار وتعزيز ميزان المدفوعات والحدّ من عمليات المضاربة في السوق السوداء، ناهيك عن تأمين مناخ سياسي واقتصادي مؤات بشكل عام. من هنا أهمية اعتماد إجراءات بنيوية أكثر جذرية تحد من العجز التوأم الا وهو العجز الخارجي في ميزان المدفوعات الذي يستنزف مخزون الدولار في البلد وعجز المالية العامة الذي يضخم مخزون الليرات في لبنان.
 
 
أخيراً، في ما يتعلق بقطاع الكهرباء، فان تحديات العام 2022 تتمحور حول استجرار الكهرباء من الاردن والغاز من مصر، مع ما يتطلب ذلك من تمويل خارجي ورفع التعرفة المحلية. ان شركة كهرباء لبنان تعاني من ضائقة مالية كبرى في ظل كلفة انتاج تتجاوز 27 سنت للكيلوواط ساعة في حين ان التعرفة الحالية تقل عن سنت للكيلوواط ساعة. المطلوب هو تصحيح التعرفة الى ما يقارب الكلفة مع إبقاء الدعم النسبي لشريحة الاستهلاك المتدني، جعل الجباية آنية مع اعادة جدولة المتأخرات وتحفيز اجراءات الجباية للقطاع بشكل عام.
 
للاطلاع على التقرير: اضغط هنا
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم