السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

بايدن ردّ على إيران بـ"لا" حازمة أم ليّنة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي جو بادين في مبنى البنتاغون (أ ف ب).
الرئيس الأميركي جو بادين في مبنى البنتاغون (أ ف ب).
A+ A-

كانت إجابة الرئيس الأميركي جو بايدن على سؤال نورا أودونيل من شبكة "سي بي أس" حول إحياء الاتّفاق النوويّ لافتاً للنظر. "هل سترفع الولايات المتحدة العقوبات أوّلاً كي تعيد إيران إلى التفاوض حول الاتفاق؟". من دون مقدّمات أو استطرادات أو تفسيرات، أجاب بايدن بـ "لا".

 

"عليهم التوقّف عن تخصيب اليورانيوم أوّلاً"، عقّبت أودونيل محاولة التأكّد من جوابه. هذه المرّة، لم يعلّق بايدن حتى. اكتفى بإيماءة رأسيّة تظهر موافقته على استيضاح الإعلاميّة.

 

خلال المقابلة التي أجريت الجمعة، بدا جواب بايدن صلباً. حتى إيماءته أظهرت ثقة بالنفس. هل بنى بايدن ألـ "لا" على أساس صلب؟ بين التصريحات والأفعال الأميركيّة ثمّة بَون واضح. وكذلك الأمر بين إيماءة بايدن من جهة وأفكاره من جهة أخرى.

 

 

مكاسب دعائيّة ومادّيّة

في شبكة "بلومبيرغ" أشار الأدميرال المتقاعد من البحرية الأميركيّة جايمس ستافريديس إلى أنّه حين كان يخدم في المنطقة، عرّج على أسواق للسجّاد الإيرانيّ مستفسراً عن أسعاره. يخبر ستافريديس، وهو القائد الأعلى السابق لـ"حلف شمال الأطلسيّ" كيف كان يحصل على أسعار أوّليّة أعلى بكثير ممّا يمكن دفعه. ويقارن طريقة تفاوض البائع على بيع البساط بأسلوب تفاوض طهران حول الانضمام مجدّداً إلى "خطّة العمل الشاملة المشتركة"، مضيفاً أنّ إيران تسعى إلى نقطة انطلاق أعلى بكثير من قيمة العودة إلى الاتّفاق النوويّ.

 

ردّ المرشد الإيرانيّ الأعلى علي خامنئي على كلام بايدن فأكّد شرط الرجوع عن العقوبات حتى تخفّض إيران تخصيب اليورانيوم إلى النسبة المتّفق عليها في الاتّفاق وهي 3.67%. وأكّد أنْ لا عودة عن هذه السياسة التي تحظى بإجماع إيرانيّ محذّراً واشنطن من "خطأ في الحسابات". يقول الإيرانيّون وفي مقدّمتهم وزير الخارجيّة محمد جواد ظريف إنّ الولايات المتحدة هي التي خرقت الاتّفاق أوّلاً وبالتالي عليها تصحيح خطئها في البداية قبل فرض أيّ شرط على طهران.

 

قد يبدو جواب بايدن سلبيّاً على الإيرانيّين. لكنّ نظرة أدقّ تلغي أو تخفّف من حدّة هذا التصوّر. صحيح أنّ طهران بحاجة ماسّة للأموال، وهي تريد رفع العقوبات اليوم قبل الغد. لكنّ اشتراطها عودة أميركيّة قبل تخصيب اليورانيوم ليس سوى رفع سقف لن يفقدها شيئاً لو تراجعت عنه لاحقاً، علماً أنّها بدأت تبني فوقه سقفاً أعلى. طالما أنّ الهدف هو إعادة تحويل الأموال إلى إيران، لن تتضرّر من عودتها إلى الاتّفاق أوّلاً كوسيلة لتحقيق هذا الهدف. وإذا رأت أنّ واشنطن مصمّمة على موقفها فبإمكانها تقديم سلوكها على أنّه "تنازل" للولايات المتحدة وإبداء "حسن نيّة" تجاهها وتجاه العالم الغربيّ. كما ستتمكّن من الادّعاء بأنّها تسهّل الدفاع عن المعاهدات الدوليّة المتعدّدة الأطراف. هذا من الناحية المعنويّة والدعائيّة. أمّا من الناحية العمليّة، فمن المرجّح أن تشترط طهران على الولايات المتّحدة عدم توسيع الاتّفاق مقابل هذا "التنازل".

 

دهاء إيرانيّ مقابل ضعف أميركيّ

قال ظريف في حديث إلى "سي أن أن" إنّه لو كان بالإمكان التوصّل إلى اتّفاق نوويّ أوسع لفعل الإيرانيّون والغربيّون هذا الأمر في 2015. لكنّ ظريف، وفي تلميح إلى الدهاء الإيرانيّ خلال التفاوض مع الغربيّين، ألقى لوم الإخفاق في توسيع الاتّفاق على الولايات المتّحدة. لم يقل إنّ بلاده لا تريد التحدّث عن سياستها الخارجيّة، بل قال إنّ واشنطن لم تقبل بالتحدّث عن صادرات الأسلحة الأميركيّة إلى دول الخليج ومناقشة الوضع في اليمن. وأضاف: "الولايات المتحدة لم تكن مستعدّة لمناقشة هذه المسائل حين تفاوضنا على الاتّفاق ولهذا السبب وافقنا على تحديد هذا الاتّفاق ودفعنا الثمن". وأوضح أنّ هذا "الثمن" هو القيود التي فُرضت (القرار 2231) على صادرات السلاح بسبب عدم قبول طهران مناقشة برنامجها الصاروخيّ وسياساتها الإقليميّة.

 

استطاع الإيرانيّون تلمّس الرغبة الجامحة لدى إدارة أوباما في التوصّل إلى اتّفاق نوويّ فاستغلّوا الرغبة الأميركيّة إلى أقصى الحدود. كان بإمكان الإدارة خوض مسارات متعدّدة ضمن الاتّفاق والتأكّد من تحقيق تقدّم في كلّ واحد منها، لكنّها امتنعت عن ذلك بمجرّد رفض إيران. وبالنظر إلى النفوذ الذي تمتّعت به واشنطن مع حلفائها وإلى حدّ ما مع روسيا والصين اللتين ساهمتا في فرض العقوبات، لم يكن دمج السياسة الإقليميّة الإيرانيّة وبرنامجها البالستيّ في الاتّفاق أمراً بالغ التعقيد. غير أنّ إيران شعرت بالضعف الأميركيّ منذ انطلاق "الثورة الخضراء" وامتناع واشنطن عن الوقوف إلى جانب المتظاهرين.

 

أمّا بالنسبة إلى "الثمن" الذي قال ظريف إنّ بلاده دفعته للموافقة على الاتّفاق من دون التطرّق إلى سياستها الخارجيّة، فهو على العكس من ذلك، "ثمن قبضته" هي من الغرب. صدر في السابق القراران الأمميان 1747 ثمّ 1929 اللذان يحظّران على إيران استيراد وتصدير الأسلحة بسبب تدخّلاتها الإقليميّة. الأهمّ أنّما لم يُحدَّدا بجدول زمنيّ سياسيّ. إذاً، ما فعله القرار 2231 هو إنهاء الحظر بعد خمس سنوات من دون إخضاع سلوك إيران للمراجعة.

 

ثلاثة خيارات محرجة

بالحديث عن المراجعة، لا تزال إدارة بايدن معلّقة لمبيعات الأسلحة التي وقّعتها الإدارة السابقة مع السعوديّة والإمارات كي تراجع مدى توافقها مع المصالح الأميركيّة. حتى ولو عادت الإدارة وسمحت بتنفيذ العقود، لم تكن هذه الخطوة الأولى "موفّقة" في توجيه رسالة حازمة لإيران. والاستنتاج نفسه يُطبّق على وقف دعم "عاصفة الحزم" في اليمن والعزم على رفع الحوثيّين عن لائحة الإرهاب. هذه مؤشّرات إيجابيّة جدّاً لطهران تفوق بوزنها الاستراتيجيّ أيّ أضرار محتملة ناجمة عن تأخّر واشنطن في رفع العقوبات عنها، أو أيّ تطمينات بالدفاع عن السعوديّة كما فعل اليوم وزير الخارجيّة أنطوني بلينكن.

 

وإيماءة بايدن عن اشتراطه وقف إيران تخصيب اليورانيوم تعني أنّ بايدن لا يزال متمسّكاً بنظرته الأساسيّة التي تحدّث عنها خلال الحملة الانتخابيّة: عودة واشنطن مقابل عودة إيران، ثمّ التعاون مع الشركاء لتوسيع الاتّفاق لاحقاً. وهنا نقطتان تصبّان في صالح الإيرانيّين على الأقلّ: الأولى هي تقلّص نفوذ واشنطن لفرض التفاوض حول مسائل أخرى بمجرّد عودتها إلى الاتّفاق النوويّ. والثانية أنّ بايدن ينظر إلى الاتّفاق النوويّ كنافذة وحيدة للتعامل مع إيران. وتقول الأخيرة إنّ هذه النافذة ليست مفتوحة للأبد. ولإقران القول بالفعل، لم تكتفِ طهران بخرق سقف التخصيب، بل بإنتاج معدن اليورانيوم أيضاً. وهذا سعيٌ لإحراج بايدن عبر وضعه أمام ثلاث خيارات: إمّا العودة إلى الاتّفاق، وإمّا الانتظار مكتوف الأيدي في مواجهة تصعيدها المتراكم، وإمّا فرضه مزيداً من العقوبات عليها وتأكيده بشكل غير مباشر أنّ سياسة سلفه كانت صحيحة.

 

الـ "لا" التي أطلقها بايدن غير مستندة إلى أساس صلب. نظرته توحي بذلك وخطواته أيضاً. فهل يُدخل تعديلاً جوهريّاً على مقاربته؟ أم يقبل بواحد من هذه الخيارات، إنقاذاً لـ"إرث" أوباما واستعداداً لمغادرة المنطقة؟ وبالتالي هل يقبل بانطلاقة متعثّرة لمسيرته الرئاسيّة؟

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم